2٬949 مشاهدة
“صلاة العاشقين” .. المسبحة عبر التاريخ
كطائر عنقاء سافرت المسبحة أكثر من ثلاثة آلاف عام ، غير عابئة بزمان ولا بمكان.
فهي ليست مجرد حبات تجتمع بخيط واحد بل هي حكاية روح.
بداية ظهورها
في الهند وفي بداية القرن الخامس قبل الميلاد ظهرت المسبحة الدينية لأول مرة، فعلى جدران المعابد البوذية صورت تماثيل لرهبان يمسكون المسبحة مستخدمين إياها بغرض التعبد، فانتقلت بين هندوس ويهود ومسيحيين إلى أن وصلت للمسلمين عن طريق التجارة والفتوحات الإسلامية.
اقرأ أيضًا
قصة الإنجليزي الذي غضب من إلغاء الموالد في مصر
جرت محاولات إقصاء كل ديانة مايخص الديانات الأخرى كالملبس والهيئة، لكن المسبحة كانت أقوى من أي إقصاء أو رفض، ففرضت نفسها على كل من يبحث عن ذاته وعن الله.
كانت فلسفة المسبحة تقوم على أنها إشارة لوحدانية الإله في معتقد كل ديانة، فأخذها كل من أراد فهم إلهه، وتصور ربه، وحاول الوصول إليه.
أصل تسميتها اللغوية
فالسُبحة كما عُرفت : خرزات منظومة للتسبيح .وجمعها سُبُحات ، وسُبْحات ، وسُبَح .
والسُّبْحَة في اللغة : الدعاء ، وصلاة التطوع ، وأيضا تطلق علي موضع السجود .
وسُبُحات الله : أي أنواره وجلالته وعظمته – جل جلاله – .
والسَّبُح : الفراغ .
استخداماتها
اختلفت الغاية قديمًا من اتخاذ السبح فكان هناك البعض يستخدمونها كتعاويذ وتمائم ويؤمنون بقدرتها علي الشفاء والحفظ، وآخرين كالفنيقيين كانوا يستخدمونها كعوضٍ عن المقايضة في تجارتهم.
اقرأ أيضًا
ياسين التهامي .. حكاية صوت الله الذي يسكننا
استخدمها آخرون بغرض الزينة والتفاخر خاصة ما يصنع من الأحجار الكريمة كالعقيق والياقوت والزمرد والمرجان والعاج وغيرها، ثم كانت عند آخرين من أجل أن يسبحوا الله بها ويرون فيها أنوار تنبثق من عمق ذكرهم الدائم عَبْرها للحنان المنان.
ذكرها بعض الشعراء كابن عبد الظاهر قائلا :
وسبحة أناملي قد شغفت بحبها
مثل مناقير غدت ملتقطات حبها
أول من استخدمها في المسيحية والإسلام
كان أول من استعمل السبحة في المسيحية هو “الاب وس دي روبي” ، وفي عام 1880 أطلق بابا روما “ليو الثالث عشر” على شهر أكتوبر اسم “المسبحة المقدسة”.
وعرفت في الإسلام فكان الصحابة يتخذون الحصى والنوى والحبال المعقودة لمعرفة عدد التسبيح والذكر.
يقال بأن أول من صنعت مسبحة هي السيدة البتول فاطمة بنت رسول الله حيث أخذت ترابًا من قبر سيدنا حمزة وخلطته بماء، وصنعت منه حبات لأول مسبحة عرفها الإسلام بهذا الشكل؛ وذُكِر في بعض الآثار أن الصحابي أبو هريرة كان له حبل به ألف عقدة لا ينام حتى يسبح عليه عدة مرات.
أعداد حباتها
عن عدد حبات المسبحة فتختلف في كل ديانة عن الأخرى فالأغلب أن اليهود يجعلوا عددها سبعة عشر حبة ، أو واحد وعشرون حبة.
أما في المسيحية فعدد حباتها ثلاث وثلاثون حبة دلالة على عمر السيد المسيح عليه السلام حين رُفع إلى السماء .
والمسلمين إما ثلاث وثلاثون حبة لعدد الذكر الوارد في السنة بعد الصلاة، أو تسع وتسعون حبة دلالة على أسماء الله الحسنى.
وانتشرت السبحة المئوية والألفية في الوسط الإسلامي على يد الصوفية لحرصهم على أوراد وأذكار بأعداد محددة
يعتقد البعض أن كروية حباتها لها دلالة روحانية علي وحدة الكون وكماله، إضافة إلى اكتشاف العلماء أن جميع الأشكال المنتظمة تعتمد على الجسم الكروي.
يتخذ الصوفي المسبحة للدخول في حالة من السكينة والإلتحام مع الكون حتي يفنى ويرى كونه صغيرا كحبة مسبحته تحركه يد العناية الإلهية الصمدانية.
من الطريف كلام بعض البائعين للسبح في خان الخليلي بحي الإمام الحسين بالقاهرة أن بعض السائحين يتهادون السبح قائلين بأن تحريك حباتها يولد إحساس بالسلام الداخلي وينظم ضربات القلب ويهدئ الأعصاب.
حكم استخدام السبح
اخْتُلِف في جواز اتخاذ السبح فقال البعض أنها بدعة ما وجدت على عهد رسول الله، بينما ردت دار الإفتاء على فتاويهم بأدلة شرعية، المسبحة ليست مجرد جماد فهي تشعر وتذكر وتبوح وتكشف أسرار الكون، في صمتها فهم، وفي بوحها علم، وفي مصاحبتها حلم، فتصبح وسيلة اتصال بينك وبين الكون وخالق الكون.
كل سالك لله يرى مسبحته بضعة منه، وكل جزء يحن لكله، فتنادي صاحبها إذا ابتعد، وتبوح له إذا أنصت، وتحزن إذا أهملها أو أنشغل عنها وتسعد بالوصل.
هي كطفل تكلمه بلمسة، وتسمعه بلمسة، وتطمئنه بلمسة.
يقال بأن نشأة المسبحة استوحت قديما من القلائد، وهذا القول المحبب لروحي فلا يستطيع إهداء كل هذا الجمال المتجلي في المسبحة إلا أنثى، فلعلها حبيبة وهبت قلادتها لعاشقها فظل يدع الله ويناجيه محركا حباتها حتى اقتدى به العشاق فتحولت القلائد إلى سبح، وصارت السُبح صلاة للعاشقين .
الكاتب
ما هو انطباعك؟
