شيخ الطريقة الفيروكلثومية
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الحكمة تقول أن فيروز تُسمع بالنهار ، والست تُسمع ليلًا .. أم كلثوم هي أمك وفيروز هي ابنتك .. قرأت مقالات كثيرة في تشريح الصوتين فاجتمع أغلب السمّيعة على ان صوت الست هو صوت الخبرة وتراكمات السنين وصوت ربة المنزل التي لا يخلو بيتها من المشاكل لكنه يدور بقوة شخصيتها وتكتيكها الخاص في حل المشكلات بالثورة تارة وبالجبروت تارة أخرى وبالصمت أحيانًا كثيرة .. أما صوت فيروز هو صوت بنات ثانوي بعد الوقوع في أول قصة حب، وهو صوت البراءة والتطلع لما هو قادم وهو صوت الدخول في الحوائط بكل خيابة والعودة صفر اليدين وتكرار ذلك دون اكتراث لما يحدث .. صوت الست هو صوت نجيب محفوظ برزانته ووقاره ، وصوت فيروز هو صوت يوسف إدريس لما به من شفافية .. صوت الست هو عبق القاهرة وصوت فيروز هو شقاوة بيروت .. وللحقيقة أن مصطلح “فيروكلثومي” ليس من اختراعي .. هو مصطلح قاله أحد الكتاب واصفًا مزاجه الذي لا يجد غضاضة في سماع الصوتين دون الاكتراث بتلك الأسلاك الشائكة التي وضعها سمّيعة القرن الماضي بأن من يسمع الست لا يسمع فيروز ومن يسمع فيروز لا يسمع الست وأنها لكبيرة من الكبائر أن تسمع الاثنتين في آن واحد .. وهناك من وضع حولهم سياج آخر من العمر حيث يخبرك مغمضًا عينه وبكل ثقة : “ستحب الست بعد الثلاثين وتنسى أي مطرب آخر” وكأنه حرام أن تسمع فيروز بعد الثلاثين وتسمع الست قبلها .
كنت قد توقفت عند هذه التصورات في نوعيات صوت الاثنتين حتى عثرت على رجل يستحق عن جدارة لقب “شيخ الطريقة الفيروكلثومية” وهو جواهرجي لديه محل تحت كوبري الدقي اسمه عم جورج، جمعتني به صداقة من فترة .. يجلس داخل المحل دائمًا رافعًا رأسه للسقف وشرائط الكاسيت المتتابعة لأم كلثوم وفيروز لا تتوقف عن الدوران ، ليصنعان مع التبغ الذي لا يتوقف طوافه في المحل مشهدًا سينمائيًا بامتياز .. ويعد هذا الرجل ناقد موسيقي بلا شهادة وعبقري في اللحن والكلمة والصوت دون دراسات، مكون من عنصرين : الأغاني والظروف .
في إحدى المشاحنات التي جمعتنا حول ترجيح كفة فيروز على الست والعكس وجدت عنده نظرة مغايرة نهائيًا حيث شَد نفس عميق من سيجارته وقال لي : الأصل في الأمور الست أم كلثوم لكن فيروز مكياج لزوم الملل . فردت عليه : مش فاهم .. فقال أن سبيكة الذهب هي الست ، أما الغويشة هي فيروز .. فيروز هي الزيت الذي يمنع ملل الواحد من الست .. فيروز حتى لو كان صوتها أرق من الست ويتخلله سحر غريب فلا يزال حاجز اللغة والمزاج يقف حائلًا رقيقًا بيننا وبينها ،فيروز تغني للحبيبة اللبنانيين ، الست تغني للمعافرين في مصر لكي يجمعهم بيت واحد فهمت ؟
أومأت برأسي أي : نعم .. وكان انبهاري لتحليله جعلني شاخصًا في وجهه، وأخبرته أنني بصدد كتابة مقال يحمل عنوان : “الفيروكلثومية” فشد آخر نفس في سيجارته وقال : يستحسن أن تجعله “الكلثوفيروزي ” .. الست أصل الأمور !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال