الحلقة الأولى من مسلسل موسى .. دقة في كل شيء تاريخي لمرحلة دموية لم تُحْكَى بعمق
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
دارت أحداث الحلقة الأولى من مسلسل موسى داخل قرية مصاخة في محافظة سوهاج عام 1942 م، حيث الشاب موسى سليل عائلة صالحين الذي يعمل في الحدادة الذي يكابد في الحياة ويشير إلى أنه يشعر بسكنه في الجبل، ثم تنتهي الحلقة بإنقاذه لأخيه من تجنيد انجلترا له في الحرب العالمية الثانية.
ملاحظات إيجابية في الحلقة الأولى من مسلسل موسى
احتوت الحلقة الأولى من مسلسل موسى على دقة بارزة في الجوانب التاريخية المتعلقة بالإكسسوارات والديكورات، فمثلاً مشهد لقاء موسى مع حبيبته نجاة تم داخل معبد فرعوني يتصوره البعض أنه معبد الكرنك أو معبد فيلة بأسوان لكن الحقيقة أنه يشبه ويقارب معبد أبيدوس في مركز البلينا محافظة سوهاج التي تدور فيها الأحداث إلى حدٍ بعيد.
كذلك في مشهد الكُتَّاب الذي ظهر فيه الفنان محمد ريحان (جد موسى)، ظهر وهو يمسك بالمصحف الفؤادي (نسبةً للملك فؤاد الأول) وتلك ميزة تُحْسَب لصناع العمل، فغيره من المسلسلات التي تتناول فترة الأربعينيات يظهر ممثليها وهم يمسكون مصاحف طبعة مجمع الملك فهد في التسعينيات.
الإطار العام لشكل القرية في الأربعينيات جاء جيدًا بعض الشيء، إذ راعى أن تكون بعض البيوت مبنية بالطوب اللبن، والبعض الآخر مبني بالطوب الأحمر، إلى جانب ظهور البوص في السقف (السباتة كما يسميها أهل الصعيد).
الجوانب التاريخية التي أشارت لها أحداث الحلقة الأولى من مسلسل موسى
مسلسل موسى ليس له صلة بالتاريخ لأنه بشكل عام من خيال المؤلف، لكن الحلقة التي تبدأ في عام 1942 م، تميزت ببراعة في التطرق إلى جوانب تاريخية متعددة.
العام 1942 يصح أن يكون هو النقطة المحورية للأحداث ففيه تم حصار قصر عابدين في حادث 4 فبراير لإرغام الملك فاروق تعيين النحاس باشا رئيسًا للوزراء، كذلك شهد دخول الألمان إلى حدود مصر ثم هزيمتهم في معركة العلمين، والتي بسببها تغير المجتمع المصري ككل.
أزمة التجنيد التي أثارت ثائرة المصريين بشكل عام
مشاهد تجنيد المصريين في الحرب العالمية الثانية بالسخرة والجبر ليست من خيال المؤلف، إنما هي وصف دقيق لواحدة من أسوأ حالات السخرية في النصف الثاني من القرن العشرين.
مصر لم تشترك فعليًا كـ جيش في الحرب العالمية الثانية إلا في فبراير سنة 1945 م، لكنها على المستوى الإجتماعي بدأت تشترك بالإجبار منذ العام 1939 م.
كان الصعيد على وجه التحديد يمثل قاعدة لوجسيتية لتموين جيوش الحلفاء بكل الاحتياجات الصناعية والغذائية والتموينية، وكانت تجري بشيء فيه استنزاف لموارد الصعيد.
يقول عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثالث من كتاب في أعقاب الثورة المصرية كانت تموين الحلفاء دون مقابل من ذهب أو سلع، كان يتم بطريق التسليف الذي نشأت عنه مشكلة الأرصدة الاسترلينية.
مشهد العمدة وعمالة الإنجليز .. حين يكون الفن بارعًا في وصف التاريخ
جملة ذكرها الفنان محمد ريحان في الحلقة الأولى من مسلسل موسى وهو يقول «مش كفاية اللي راحوا»،أثناء لقاءه مع العمدة ومساعديه بحضور الضابط الإنجليزي ولخصت تلك الجملة فظائع ما جرى في الفترة بين 1914 و 1918 م من تجنيد المصريين بالإجبار.
فساد العمد تكلم أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوي عبر صفحات تمهيد 1 من «حوليات مصر السياسية» حول تجنيد المصريين بالسخرة في الحرب العالمية الأولى (الفترة المقصودة في جملة مش كفاية اللي راحوا) وصفًا لحال القرى في الصعيد إذ قال «كم من المخازي والفساد واكب هذه العملية، فكثير من العمد انتهزوا هذه الفرصة ليوقعوا بأعدائهم وأبناء الأسر المناوئة لهم فيخصونهم بالاختيار للعمل في السلطة، بينما يتسترون على معارفهم ويعفونهم منها وسويت حسابات قديمة على إثرها تمزقت مصر من الأحقاد والثأر واتهمت الأسر بعضها البعض وسمم الفساد جو البلاد، واتسعت الذمم بقبول الرشاوي وامتد خيطها من العمدة إلى مأموري المراكز والضباط البريطانيين أنفسهم، ومضت النساء يبعن حليهن حتى يدفعن مقابل الإفراج عن أولادهن وأزواجهن من خدمة السلطة».
صفعة العزة بالذل .. مشهد اعترف به الأعداء
يبدو من مشهد صفعة أم موسى لنجلها رويعي في الحلقة مبالغة، لكن هذا من المنطقية التاريخية غير صحيح، فأهل الصعيد معروفين بالشدة، وفي ظرف الحرب وبسبب قوة المصريين اعترف الإنجليز بما قدموه.
اقرأ أيضًا
حسين رشدي باشا .. رئيس الوزراء الأهلاوي الذي قتل نصف مليون مصري
وهو الشيء الذي اعترف به تشرشل شخصيًا فجريدة التايم في عدد 20 أغسطس سنة 1942 م قالت “أبدى المصريون من الثبات ورباطة الجأش خلال الأيام الأولى لمعركة العلمين».
المشهد الأخير .. ميزة وعيب
ظهر في آخر الحلقة الأولى مشهد السكة الحديد، وقد يذكر البعض أنه مبالغة تاريخية، لكن الصحيح هو ما ذكره الرافعي في نفس الكتاب حيث قال «جعلت مصر سككها الحديدة وسائر وسائل النقل تحت تصرف قوات الحلفات وبذلك تسهيلات وتضحيات كبيرة لإعداد الأماكن والمساكن الصالحة لإيواء جيوش الحلفاء وأدى ذلك إلى تفشي أزمة المساكن في العواصم والمدن».
عيب المشهد الأخير الوحيد يتعلق بالتمثيل فمع قفزة موسى على القضبان لإنقاذ شقيقه اختلفت اتجاهات نظرة أهل موسى وبقية أهل القرية، فبعضهم ينظر لنفس المكان والبعض الآخر ينظر إلى مكان آخر.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال