المسرح .. أبو الفنون الذي احتضن التمذهب الطائفي والدجل الشعبي

يعتبر الرقص النواة والركيزة الأساسية التي يعتمد عليها المسرح، وقد اقترب الإنسان البدائي بالرقص الذي عبر عن انفعالاته في بواكير الزمن نحو الفنون بشكل عام والمسرح بشكل خاص.

الحركات الراقصة نواة المسرح

رقص الإنسان البدائي بدافع الانفعالات، ولكون الطقوس الدينية جزء كبير من تكوينه الانفعالي فكان يتحدث ويصلي ويعبر عن امتنانه لهم  بحركاته الراقصة، ومع ظهور الأديان وانتشارها في العالم، وتحديدا في بلاد العرب، ظهرت طقوسا دينية أساسها الحركات الراقصة ، وكانت هذه الحركات بمثابة نواة المسرحية،  ومن هنا يميل بعض الباحثين إلى أن ” المسرحية قد نشأت وتطورت من أصل ديني، وإنها في أصولها الأولى لم تكن أكثر من وسيلة يُستعان بها على مزاولة الشعائر، والطقوس الدينية، في مناسبات معينة”.

المسرح العربي والحسين 

عرف العرب التعزية  وهي عبارة عن طقس ديني خاص يرصد مقتل الحسين، وتستمر هذه الطقوس  والاحتفالات والعروض من بداية محرم وحتى العاشر منه من كل عام .

وترصد عروض التعزية  التي يؤديها ممثلون للجمهور  الشيعي كل حركة وكل حدث مهم من مقتل الحسين، فلا تتم أي حركة في هذه الاحتفالات بشكل عشوائي كما يُخيل للبعض!.

فهذا الطقس الديني الذي يُعرض في كربلاء  ، يستعيد الماضي ليعيش الحاضر ويمتد به في  المستقبل تكرارا لهذه الحادثة التي تعيش في قلب الشيعي وعقله، وكان على  الجموع أن تستعيد هذه الحادثة لتعبر عن تكفيرها عن هزيمة الحسين وتستعيد وقفتها مع النور والخير .

 المسرح العربي والولي

هناك وجه آخر لاحتفالية دينية أخرى ترتبط بأهل السنة وتمثل اختلافا جذريا مع احتفالات الشيعة .

والمولد ليس احتفالات عشوائية وإنما هو احتفال مرتبط بميلاد الولي، وكل حركة فيه تمثل حدثا في حياة الولي.

ويبدأ الطقس في معظم الاحتفالات بحركة الجماعة مع محمل الولي من مقامة أو قبره وتأخذ طريقها إلى شوارع القرية أو المدينة لتدور حولها دورة تماثل حركة الولي في حياته، وفي كل ذلك يأخذ طريقة الاحتفال أناشيد الجماعة والذكر لا يتوقف فيها حتى يعود المحمل إلى مقام الولي ، وتكون عودة المحمل نهاية الاحتفال لتبدأ الجماعة حياتها بعد ذلك وقد شاركت في إرضاء وليها والشعور بأنها مرتبطة بقداسته .

رقاصات المولد

حركة المولد هي شعر وحركة تمثل قصا يعبر عن حكاية الولي كما أنها قد تسرد شعرا من هذا التماثل في الحركة هذا فضلا عن أن الجماعة كلها تقوم بدور تمثيلي.

إقرأ أيضا

الجمال النائم على طريقة الرقص المعاصر

المسرح العربي والجن 

وإذا كانت التعزية والمولد يمثلان طقسا دينيا مقدسا لدى الجماعة الشعبية ، فإن الزار يمثل طقسا،  ولكنه غير ديني، فالتعزية ترتبط بالإمام والمولد يرتبط بالولي، أما الزار فهو مرتبط بالجن ، فهو احتفالية يراد بها إرضاء الجن القرين، وفي هذا الطقس تتحول المعتقدة في الزار إلى عروس في ليلة جلوتها تقام لها طقوس الزفاف ويقود حفل الزار” الكوديا”   تساعدها جوقة من العازفين و المنشدين .

و يعتمد هذا الأداء على الشعر الغنائي وحركة الرقص التي يدخلها المعتقدون في العلاقة بينهم وبين الجن،  وحتى  الذين يجلسون قاصدين الفرجة يصبحون جزا من هذا الطقس فالموسيقى قوية وقادرة على أن تحرك الجماعة مهمها كان رأيها في الزار لتدخل الحلبة وتصبح جزءا  من إطار الجماعة في أدائها  الاحتفالية ، فالزار هو مسرح احتفالي  تصبح فيه الجماعة كلا لا يتجزأ من الطقس الأدائي والذي سيتطور بعد ذلك إلى المسرح بمفهومه الواسع.