همتك نعدل الكفة
231   مشاهدة  

الميلودراما تصلح للنهار

الحزن


عزيزتي جيجي.. آتيك من ليل طويل يبيت فيه الحزن فى عيون الساهرين، فيتم اجترار الألم كمعادل كيفي للوحدة، حيث الليل سندها ومقويها، تلعب الذاكرة دورًا أولي فى حفظ الأسي للحظات الوحدة والصمت، فيبسط الليل سواد سمائه، ليفوز بكآبة العالم، ولا نهرب من همومنا وكمدنا، فكيف نسلم أرواحنا لسجن الليل؟.

 

ذات يوم  قال لي صديق يداوم علي تعاطي مخدر الحشيش، أن له خاصية عجيبة هو لا يُغير حالة متعاطيه النفسية كما يروجون له، لكنه يؤجل رد الفعل، فالسعيد يتأخر ردود أفعاله فتستمر سعادته والمكتئب نفس الأمر، هل أكون مبالغة إن رأيت الليل مثل مخدر الحشيش؟.

 

الليل يمنح العشاق سهرًا ممتزجًا بالاشتياق،ويمنح المكتئبين هواجس ووقت طويل لتقليب الظنون، وطهو الخبرات السيئة.

 

أعرف امرأة تكبرني بأعوام قليلة، حتى ذابت بيننا فروق العمر، لكنها تحفظ الحزن فى حجرات قلبها، تستخدم الجسد خزانة للمرارة والقهر، وتدفع بالبوح بعيدًا عن ممارساتها، حين التقيت بها قريبًا مصادفة هالني آثار الحزن علي تجاعيد وجهها، شكت لي أمراض السكري والضغط، أصابها ثقل الوجع فخارت قواها وتداعي جسدها، حين ترينها لن تُصدقي أنها امرأة فى بدايةالخمسينات، لن تعرفي سوي امرأة أهال الزمن عليها رُكامه، وطفي الحزن أي بريق محتمل للحياة.

 

إقرأ أيضًا.انفراد:  تفاصيل العقد الذي قتل الفنان محمد فوزي

 

هل تعرفين يا جيجي أُفضل الحزن نهارًا، تختلط أوجاعه بصخب الشوارع وضجيجها، عبث الحياة يمضغ الوجع، يجعله سهل الهضم، ويُحيل آثاره إلى ذكرى ربما لا تخرج قريبًا إلى العين.

 

أُحب البوح وأسأل أصدقائي الفضفضة، كانت أمي توصيني بألا أبيت حزينة، لكن ماذا نفعل إن كسر أحدهم خاطرنا، أو أمات الأمل فى قلوبنا؟.

 

يا جيجي

 

الجسد خزانة للوقت والحياة فإن امتلأت خرجت مكوناتها، وانفلجت أبوابها، ونحن صِرنا نخاف البوح، نخاف انكسارًا جديد معتمد علي ضعفنا، بهتت الثقة، وتوالت الخيانات، والتأويل السلبي للفضفضة، كيف نحكي ونحن خائفون؟؟.

 

الأمران مُر نكتم الحزن فيُثمر مرض وعطب للروح، أم نبوح فنعاني من تبعات الضعف والخذلان؟.

 

التداعي ابن شرعي لليل وأنا لا تأتيني كل هذه الأفكار نهارًا، عقلي لا يتسع للضوضاء وأحلام اليقظة، وأفكار وجودية،فى النهار تأكلنا التجمعات، نذوب فى هلاوس لا علاقة لها بأهدافنا الحقيقة ونشترك فى حروب وهمية للحياة.

 

يا جيجي

 

كلما أطلت قريبتي فى ذاكراتي وآثار وحش الحزن طاغية علي جسدها أرتبك، وتُصبح كلمات أمي منارة فى عقلي لا تبيتي حزينة أبدًا، لكن ماذا نفعل فى الثقة التي انفرطت حباتها، والاختيارات الخاطئة والخذلان الذي يغلف الكثير من العلاقات؟.

 

أهتدي بحدسي، استفتي قلبي، وحين يثقل علي الهم أُسلم روحي لأي طريقة للبوح، أكتب .. أرسم.. أغسل المواعين، أو حتي أقوم بالتنظيف، وربما حاولت المشي، الأرض أمنا قادرة علي امتصاص أحزاننا، فيصير المشي علاجًا هامًا لتفريغ طاقات الكِدر والهم.

 

يا جيجي

 

أقول لك نصيحة أمي لا تبيتي حزينة مهما كان الوجع، ابكي، أو اركلي الوسادات، حولي كل الهم إلي الخارج ولا تختزني الوجع في حجرات القلب، ولا تضعي الحزن فى رفقة الليل فهما جيش واحد لهزيمتنا، وتذكري دومًا أن البوح حتي لنفسك علاجًا لا يمكننا تجاهله، ولن نساند الهم لكسر صحتنا وجسدنا.

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان