همتك نعدل الكفة
891   مشاهدة  

فنان الشعب مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (6) سيد درويش وثورة 1919

سيد درويش وثورة 1919


نستعرض في حلقة اليوم من سلسلة فنان الشعب، ثنائية سيد درويش وثورة 1919 م، حيث انتهينا في اللقاء السابق حيث عودة الشيخ سيد درويش إلى الإسكندرية بعد أن أعرض الجمهور القاهري عنه، وقلنا أن ذلك إما لعدم فهمهم لنوع الموسيقى التي كان يقدمها سيد، أو لانصرافهم إلى فن الشيخ سلامة حجازي وقتها.

على أية حال فالقدر كان يرتب لسيد درويش عودة أكثر إنصافا من المرات السابقة التي أتى بها إلى القاهرة، حيث كان الركود قد أصاب مسارح القاهرة في الفترة التي كانت فرق الريحاني والكسار وعكاشة تقدم فيها للجماهير المسرحيات الفكاهية والشعبية ترويحا عنهم أثناء سنوات الحرب، كذلك كان جورج أبيض يسير على هذا النحو، فأشار عليه صديقه الصحافي جورج طنوس بأن يستعين بالشيخ سيد درويش ليلحن له أغاني مسرحياته كي يواجه هذا الركود، وبالفعل ذهب جورج إلى الإسكندرية وأحضر معه الشيخ سيد درويش سنة 1918م، بعد أن اتفقا على أن يلحن له الشيخ سيد مسرحية فيروز شاة.

وعلى الرغم من فشل هذه المسرحية إلا أن ذلك كان آخر فشل فني في حياة فنان الشعب سيد درويش، فقد كان من بين الحضور الشاعر بديع خيري وكان قد كتب أغنية دنجي دنجي التي لحنها سيد درويش ضمن أغاني فيروز شاة دون أن يعرف مؤلفها فكان ذلك سببا لتعارفهما، بل كان سببا لصداقة حميمة بينهما جعلتهما ثنائيا فنيا لا يذكر أحدهما دون الآخر.

الوعي الوطني في حياة فنان الشعب سيد درويش وثورة 1919

سعد زغلول - سيد درويش
سعد زغلول – سيد درويش

بدأت قصة الشيخ سيد درويش وثورة 1919م، عندما أوحت إليه بألحان وطنية ثورية ساعدت على إيقاظ روح المقاومة الشعبة ضد الاستعمار الذي كان يسعى دائما لإضعاف القوى العسكرية للجيش، وبدا ذلك وقتها في شروط الإعفاء من الخدمة العسكرية التي تضمنت دفع 20 جنهيا فدية وكانت تسمى وقتها بالبدلية أو حفظ القرآن الكريم وهو في الأصل شرط يتعارض مع نصوص القرآن الكريم التي تحث على الجهاد لحماية الأوطان.

اقرأ أيضًا 
الشرطة في ثورة 1919 “إعادة فتح الملف المنسي بعيدًا عن الهبد والهوى”

هكذا استغل الاستعمار غفلة الوعي الديني وعجز الفقراء عن دفع البدلية في رسم صورة مزيفة توحي للأسر بأن الالتحاق بالجندية خزي وعار ومذلة كونها قاصرة على الفقراء المعدمين.

اقرأ أيضًا 
اليهود في ثورة 1919 .. كلام لم ولن يجرؤ سعد الدين إبراهيم على قوله

ساهمت ثنائية سيد درويش وثورة 1919 في بعث الوعي الوطني والديني لدى نفوس المصريين، غنى طقطوقة جميلة يعتب فيها على الأم التي تخاف على ولدها من الخروج للجندية، وكان مطلعها:
يا أمي ليه تبكي عليّ.. وأنا مسافر الجهادية
ظل سيد ينتج في هذا الميدان الكثير والكثير من الأناشيد التي اتسمت إيقاعاتها بطابع القوة والصلابة العسكرية، بعد أن خلص أسلوب أدائها من الميوعة والرخاوة التي كانت سائدة في الوسط الفني، ومن هذه الأناشيد:
بلادي بلادي
أحسن جيوش في الأمم جيوشنا
اليوم يومك يا جنود
أنا المصري كريم العنصرين
مصرنا وطننا سعدها أملنا
قوم يا مصري مصر دايما بتناديك
يا أباة الضيم يا فخر العرب
إحنا الجنود زي الأسود.

تفرد فن سيد درويش

سيد درويش
سيد درويش

لم يكن سيد درويش صاحب فن مكرر أو مشابه لما يقدمه غيره، بل كان متفردا يعلم جيدا ما يرنو إليه، صاحب فكر ومذهب اختاره بإرادته، فقد وضع سيد درويش ألحانا هادفة جعلت من الفن وظيفة اجتماعية لها أثرها الفعال في إيقاظ الوعي المجتمعي، وظل طوال حياته ملتصقا بالبيئة المصرية مستوحيا منها ما يتردد على ألسنة طوائف الشعب من كلمات وأنغام وانطباعات صاغها في قوالب لحنية متطورة خلص بها الموسيقى ذات الهوية المصرية من الرتابة والتكرار الممل، ويكفي الشيخ سيد درويش أنه طور الموسيقى تطويرا نقلها من التخت إلى الأوركسترا ومن التطريب إلى التعبير مع الاحتفاظ بالروح المصرية الصميمة في كل انتاجه الفني، كذلك كان سيد درويش أول من أدخل الغناء البوليفوني والتوزيع الأوركسترالي في ألحانه المسرحية مستعينا في ذلك بأحد الموسيقيين المستشرقين كان يدعى (كاسيو).

سيد درويش يتربع على عرش المسرح الغنائي وينشيء فرقته الخاصة

إقرأ أيضا
نجيب الريحاني بصورة ملونة يعود نشرها لموقع "ديلي نيوز إيجيبت"
سيد درويش
سيد درويش

تعرف بديع خيري على الشيخ سيد درويش، أخذه بديع إلى الفنان نجيب الريحاني الذي كلفه بتأليف مقطوعات استعراضية بين فصول الروايات التي تقدمها فرقته نظير أربعين جنيها، فلاقت ألحانه نجاحا كبيرا دعى الريحاني إلى الاعتماد على الشيخ سيد درويش في تلحين مسرحياته بأجر مائة وخمسين جنيها في الشهر، وكانت مسرحية (كله من ده) هي أولى المسرحيات التي لحنها له، كذلك كانت أول عهد سيد درويش بالاشتهار العام، فأحله الجمهور محل المرحوم الشيخ سلامة حجازي في زعامة المسرح الغنائي وبذلك بدأ عصر الشيخ سيد درويش، عصر الموسيقى العربية المعاصرة.

نجيب الريحاني
نجيب الريحاني

عرف الريحاني بتواضعه وخلقه الحميد، فسمح للشيخ سيد درويش بأن يلحن لمنافسيه من الفرق المسرحية الأخرى، فأخذ الجميع يقبل عليه ويزيد في أجره حتى وصل الأمر إلى أن كانت كل الفرق التي لحن لها الشيخ سيد درويش أعمالها تعرض تلك الأعمال في وقت واحد.

أحس الشيخ سيد درويش بقيمة ما وصل إليه، وبمقدرته على تكوين فرقة خاصة، وبالفعل أنشأ فرقة خاصه به ووضع لها مسرحيتين (شهرزاد) (الباروكة)، إلا أن إدارة سيد درويش لفرقته لم تكن على قدر موهبته الفنية، فحل الفرقة وهم بالسفر إلى إيطاليا، بعد أن خسر أمواله وحصته في بيته الكائن بشارع جزيرة بدران بشبرا، ثم عاد إلى الاسكندرية استعدادا للإبحار إلى إيطاليا ليتعلم هناك فنون المسرح الغنائي.

إلى هنا أعزائي القراء نصل لنهاية الحلقة السادسة من قصة الشيخ سيد درويش على أن نكمل المسيرة في حلقات قادمة.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان