لماذا رحل وحيد حامد وهو أسعد منا جميعًا؟
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
بعد ساعات من رحيل المؤلف المبدع – والذي اعتبره واحد من أهم مؤرخي العصر الحديث – العظيم وحيد حامد، تعالت الأصوات المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي كالعادة، فقد أصبح أقرب تشبيه لهذه الساحات المفتوحة لكل من يمتلك هاتف بالإدلاء بدلوه أنها (مولد وصاحبه غايب)، ولم تسلم روح وحيد حامد الطاهرة من “طرطشة” دماء خفافيش الظلام الذين يمكثون في جحور قلوبهم المظلمة، يتخيلون أنهم الممسكين بدفاتر الجنة والنار ليلعنوا موتى أهل الفن ويقسمون بدخولهم النار! ولكني لم ولن استهلك قلمي في الرد على هؤلاء فتكفيهم نيران قلوبهم التي تحرقهم ليلاً نهاراً.
وآخرون ممن عرفوا تاريخ مصر المعاصر من أعمال وحيد حامد، ينعون ببالغ الآسى هذا الرائع الذي كان السبب في حماية مجتمعنا من السقوط في فخاخ الإسلام السياسي وأصحابه، وأيضًا من لم يخف يوماً من الدخول إلى عش الدبابير بل واصطيادهم وكشف قبحهم وإرهابهم.
وحيد حامد مات قبل أن أعتذر له.. كم أنا غبي
ولكني بشكل شخصي رغم حزني الشديد على فقدننا هذا المبدع الذي لا يظهر مثله إلا كل مئة عام على الأقل، ابتسمت وأنا أفكر في كام كان وحيد حامد شخص صاحب حظ سعيد خلال هذه الحياة، كيف انبسطت له الأيام حتى يمتطي ظهر بساطها ويتجول فيها كبطل مغامر سعيد، و كالمحاربين الرومان القدامى الذين تتعالى للسماء رنة ضحكاتهم بعد الانتصار على الخصم في ساحة المعركة على الرغم من أنهم منذ لحظات كانوا على بعد خطوة من الموت والخطر، ولكن الأبطال لا يخشون الموت وهم رافعين سيوفهم في أرض المعركة، هكذا عاش وحيد حامد رافع قلمه أمام عدوه مهما كانت قوة هذا العدو ونفوذه.
من أسوأ ما يحدث للإنسان هو أن يشعر بأنه مجبر على البعد عن شغفه من أجل “لقمة العيش” فهناك مئات المؤلفين حكمت عليهم الحياة بأن يكملوا حياتهم موظفين، فقد طرقوا باب عالم الفن ولكن لم يفتح لهم أحد ولم يحالفهم الحظ، فوجدوا أنفسهم بين خيارين، إما الموت جوعًا وهم يزحفون في طريق شغفهم، أو تخزين كتاباتهم في صندوق الذكريات والنزول إلى سوق العمل بحثًا عن الحياة.
ولكن هذا لم يحدث مع وحيد حامد، فلقد كتب اسمه بحروف من نور في تاريخ الفن المصري والعربي، ولم يحد يوماً عن شغفه، واستمر على مدار أكثر من 40 عام يعمل مؤلف يكتب ما يؤمن به وما يحبه، لم يكن وحيد حامد يومًا مبدع موظف أو كما يقال باللغة الدارجة (نحيت)، وكذلك كان وحيد حامد محظوظ بأصدقائه والعاملين معه ممن يؤمنون بنفس أفكاره ولديهم روح المغامرة في تنفيذ مشاريعه التي كانت مخيفة في ذلك الوقت، فعلى سبيل المثال أن يقدم هو وعادل إمام وشريف عرفة فيلم (اللعب مع الكبار) الذي ينتقد الدولة ومؤسساتها ويتحدث عن الفساد، وعلى جهة أخرى يقدمون فيلم مثل (الإرهابي) و (طيور الظلام) للحديث عن الجماعات الإرهابية والإسلام السياسي في ذروة انتشار العمليات الإرهابية في مصر.
وفي الأخير لو كانت استطيع أن أرسل رسالة قصيرة إلى روحك الطاهرة فإذا كانت أخر كلماتك خلال تكريمك في مهرجان القاهرة السينمائي هي ” أنتوا ادتوني عمر جديد.. الاستمرارية مكنتش متوقعها.. لكن أنا سعيد بالحب اللي أنا شايفه، وبالدعم اللي أنا شايفه. أنا كنت شديد الإخلاص للكلمة اللي بكتبها.. مفيش كلمة كتبتها إلا وأنا حاطط في ذهني الناس اللي أنا عايش وسطهم، ودا اترد لي في الآخر بالحب اللي أنا شايفه”.
فمهما كان الحب الذي شعرت به خلال حياتك معنا، فكلما مر الزمان ستظل أنت المؤرخ المعاصر الأفضل لتاريخ مصر والذي ستظل أعماله هي المرجع لشباب اليوم وغدًا والأجيال التي لن تراها أعيننا، ارقد في سلام يا معلم الأجيال لقد عشت الحياة التي تستحقها وبعد وفاتك ظهر حب الناس الذي لم تراه كما يجب في حياتك.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال