“هؤلاء سر تميز الحلقة 10 من الحشاشين” الخيال لم يؤثر على تاريخ حصار قلعة آلموت
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تناولت الحلقة 10 من مسلسل الحشاشين حصار قلعة آلموت من قِبَل الجيش السلجوقي، واستعداد حسن الصباح له، وانتظاره للمدد القادم من بقية الحشاشين في البلاد المحيطة بالقلعة.
الحلقة 10 من الحشاشين ميزان التاريخ
الإنتاج هو البطل الحقيقي في الحلقة 10 من الحشاشين (وطبعًا كل حلقات المسلسل) قبل المؤلف والمخرج، وبعدهم يأتي مهندسو الديكورات ومصممي الملابس، ويرجع ذلك إلى شح مصادر حادثة حصار قلعة آلموت، فهي مغمورة في تفاصيلها، ولكون أنها مغمورة فإن الخيال الفني لعب لعبته في تصوير هذه المشاهد.
اقرأ أيضًا
“لم يكن قيدت نفسي” ننشر كلمات عهد الحشاشين وتفاصيل أجواء أداء القسم
والسبب في اعتبار الإنتاج ومهندسي الديكور ومصممي الملابس والإكسسوارات هم أبطال الحلقة 10 من الحشاشين هو مراعاة الدقة فيما يخص الجيش السلجوقي سواءًا على مستوى الحركة أو على مستوى شكل المعسكر، وكذا على مستوى الملابس والأسلحة.
فمثلاً في نهاية الحلقة التاسعة من مسلسل الحشاشين ظهر كثافةً في عدد أفراد الجيش السلجوقي وأظهره المخرج بيتر ميمي بين جبلين حتى يترآى للمشاهد مدى قوة ذلك الجيش، بالتالي فإن الإنتاج أنفق كثيرًا على (المجاميع).
هذا يتوافق مع حال تعداد أفراد الجيش السلجوقي أيام ملكشاه، فقد وصل في بداية عهده إلى مائتي ألف، وأثناء مواجهة الحشاشين كاد أن يكمل نصف مليون جندي واقترح نظام الملك أن يصل عدد أفراد الجيش إلى ثلاث أرباع مليون.[1]
مثال آخر حول الدقة في التفاصيل، أن المشاهد لاحظ تعدد أجناس المجاميع في الحلقة 10 من مسلسل الحشاشين، فمنهم ذا ملامح أوروبية وبعضهم له ملامح آسيوية، وبعض آخر ملامحه عادية.
وتلك التفصيلة دلت على مراعاة الدقة لأن قوام الجيش السلجوقي فجيش السلاجقة زمن ملكشاه كان مكونًا من التركمان وكانوا لسلاح الفرسان، بينما معظم الجيش كان من عناصر أخرى مثل الخوارزميين والديلم الخراسانيين والفرس والأكراد وفرع الأوج من الأتراك.[2]
ومن المشاهد التي لها صلة بالدقة ذلك المشهد الذي اختتمت به الحلقة 10 من الحشاشين وهو مشهد نوبة الحراسة وهجوم السهام النارية على السلاجقة، فكيف وأن الحشاشين محاصرين ويكادوا أن يهلكوا وموجودين في قلاع عالية وليس لهم تواجد على الأرض بمعسكر حتى يتسللوا لمعسكر السلاجقة؛ ومع كل ذلك تكون هناك نوبة حراسة.
ذلك وإن كان من خيال المؤلف وبغض النظر عن نتيجة حصار قلعة آلموت، لكنه يتوافق أيضًا مع نظام جيش السلاجقة في عموم تاريخه، فيذكر الصلابي عنهم أن تدخل الحراسة كجانب من جوانب المهام الخاصة الطارئة عند السلاجقة هو شيء من طريقة قتالهم، وتزداد أهميتها في حالة دخولهم معركة من المعارك خاصةً في مهمة حراس الجبال الذين كان يطلق عليهم الديدبانات، فلم يكتفوا فقط بحراسة الطرق وإنما تجاوزوا ذلك إلى مراقبة العدو وحراسته للتعرف على اتجاه سيره لأخذ الاحتياطات اللازمة لذلك، وتبوأت الحراسة العسكرية ليلا مكانة مهمة في تأمين الجيش فقد ساعدت سيطرة السلاجقة على المرتفعات والجبال على سهولة الحراسة والمراقبة، فكانوا يشعلون النيران عليها ليلاً لهذا الغرض.[3]
ملحوظة
لسنا هنا بصدد التكلم عن الأسلحة
فهي لم تظهر في الحلقة 10 من الحشاشين بشكلٍ شديد الوضوح
وستظهر في الحلقات القادمة وآثرنا عدم تناولها تفاديًا لحرق الأحداث
تاريخ حصار قلعة آلموت .. ماذا جرى تاريخيًا ؟
قلنا أن المصادر عن حصار آلموت شحيحة، لكن الجويني في تاريخه بذكر بعض تفاصيل أول معركة بين السلاجقة والحشاشين[4]، فقال أنها بدأت في جمادى الأولى سنة 485هـ / يونيو 1092م بحصار قلعة آلموت وشن أرسلان تاش هجوم عليها، ولم يكن مع الحسن بن الصباح في ذلك الوقت سوى 70 رجلاً، ولم يكن لديهم سوى القليل من المؤن، فكانوا يعيشون على ما يسد الرمق، وكانوا منشغلين بحرب المحاصرين وقتالهم.
ومن الأشياء التي أضافتها الحلقة 10 من الحشاشين ويهيئ للمشاهد أنه من خيال المؤلف، هو تهديد أرسلان تاش للأهالي في حال عدم تعاونهم معه، وذلك يوضح القسوة التي تعامل بها السلاجقة مع أهالي البلدة، فمثلاً قبل حصار قلعة آلموت، كان أحد قادتها هو يورانطاش قد حصل على ألموت ورودبار كإقطاعيات من السلطان، وبعد الاستيلاء على القلعة من الحسن بن الصباح هاجم الأمير يورنطاش القلعة، ولكن لمقاومتهم الشديدة لم ينجح في الاستيلاء على القلعة، وعلى الرغم من الهجمات المتتالية على ألموت، إلا أنه شن هجومًا على المزارعين والناس العاديين الذين يعيشون حول القلعة، مما تسبب في العديد من جرائم القتل والنهب ولما أدرك السلطان فشل يورنطاش، عهد بمسؤولية العمل إلى أرسلان طاش وأرسله إلى آلموت، والذي حاصر القلعة.[5]
بالتزامن مع ذلك كان هناك داعٍ لحسن الصباح اسمه دهدار بوعلي والذي انتقل من بلدتي زواره وأردستان وأقام في قزوين، ونجح في اجتذاب عدد كبير منهم وضم لهم أناس كثيريين من ولايات الطالقان وكوه بره وولاية الري، فطلب حسن بن الصباح المدد منه، فأرسل له أسلحة من قزوين وآلاب حرب، إلى جانب 300 رجل من أتباعه، وشنوا هجومًا على جيش أرسلان تاش الذي ظل محاصرًا لآلموت 4 أشهر، فانسحب جيش السلاجقة في شعبان 485هـ / سبتمبر – أكتوبر 1092م.
ملاحظات على الحلقة ولها
ينبغي نقد طريقة أداء كريم عبدالعزيز في الدقيقة 15 والثانية 28 لقوله تعالى «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ» (البقرة / 249)، حيث نطق كلمة فئة (الثانية) بالكسر تنوينًا وهذا خطأ فالصحيح هو التنوين بالفتح.
ومن الأشياء التي فتحها مسلسل الحشاشين للمشاهد بالبحث هو صلة الحركات الاستشراقية بالحملات الصليبية، وهذا مجال يطول فيه الكلام لكن المسلسل قال أنه من الناحية التاريخية بدأ الاستشراق في القرن ال11 الميلادي وهذا بالنسبة لبعض المشاهدين خطأ.
لكن الصائب أن المسألة خلافية للغاية فمنهم من يعتبره بدأ من القرن ال11 ومنهم من اعتبره قبل ذلك ولكلٍ منهم أدلته ووجهة نظره[6]، وعليه فإن قول المسلسل ببدء الاستشراق في القرن ال11م ليس خطأ تاريخي.
[1] علي محمد محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، ط/1، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة ـ مصر، 1427هـ / 2006م، ص249.
[2] محمد عبدالعظيم أبو النصر، السلاجقة تاريخهم السياسي والعسكري، ط/1، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة ـ مصر، 2001م، ص ص354–355
[3] علي الصلابي، دولة السلاجقة، ص266.
[4] الجويني، تاريخ فاتح العالم، ترجمة: محمد السعيد جمال الدين، تحقيق: محمد بن عبدالوهاب القزويني، ج3، ط/1، المركز القومي للترجمة، القاهرة ـ مصر، 2015م، ص ص181–182.
[5] آليهار خلعتبري، المواجهة السياسية والعسكرية لحسن صباح مع السلاجقة، مجلة أبحاث العلوم الإنسانية، جامعة بهشتي الإيرانية، ص109.
[6] أحمد سمايلوفتش، فلسفة الاستشراق وأثرها في الأدب العربي المعاصر، ط/1، دار الفكر العربي، القاهرة ـ مصر، 1418هـ / 1998م، ص ص54–70.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال