كل واحد وضميره !!
هل فكرتم في معني تلك الكلمات التي كتبها عبد المنعم السباعي ولحنها محمود الشريف وغناها في الستينيات محمد عبد المطلب ، ( بياع الهوا راح فين )، لو نطقتها ( الهوي ) ،فما هي الصفة التي يحملها من يمارس هذا النوع من التجارة ، سوى أنه قواد ،ولو نطقتها (الهوا ) ،فالمعروف ان هذا التعبير في المفهوم الشعبي يعني المخدرات ، فهل نغني لتاجر حشيش.
(أنا يسعدني تبعد عني وتجرب غيري في هواك ) ، هكذا كتب حسين السيد بتلحين كمال الطويل ، وغناء عبد الحليم حافظ ، وهي دعوة صريحة من حبيب لحبيبته بأن تذهب تحت سمعه وبصرة وبمباركته لغيرة ، هل هي ثقة مطلقة في النفس، أم هناك معني اخر في ضمير الكاتب من الممكن أن يفرض نفسه في التفسير .
في الأغاني مسموح لنا أن نقول ولا نقول ، وهكذا مثلا في ثورة 19 عندما منعوا تداول أسم سعد زغلول كان النداء هو (( يا بلح زغلول ))، وقال لي الموسيقار محمود الشريف أن أغنية (( أرخي الستارة إللي في ريحنا / أحسن جيرانك تجرحنا)) والتي كثيرا ما يعتبرها البعض عنوان صارخ للبذاءة ، و تقدم دعوة مفتوحة لممارسة الفجور ، كان الغرض منها هو التنبيه ، في حالة تواجد مخبرين تابعين للاحتلال البريطاني .
ومن الممكن أيضا أن تلعب الأغنية دورا أخر في التنفيس عن غضب كل واحد ، كتب في الأربعينيات الشاعر مأمون الشاعر هذا الزجل الثوري الذي يسخر فيه من تباين الرؤية السياسية والاقتصادية في الحكم فقال (( ياترسملونا يا تبلشفونا / يا تموتونا وتخلصونا /ملعون أبوكم / على أبونا )عندما أراد أيضا الشاعر مأمون الشناوي أن يسخر من هزيمتنا في 67 لجأ لسلاح الأغنية فكتب (العتبة جزاز والسلم نايلو في نايلو) ، كان يقصد سهولة اقتحام العدو الإسرائيلي ل سيناء فلجأ إلى فولكلور بدوي مقصود به وصف استعدادات العروس لليلة الدخلة ، ولن أفصح أكثر عن المقصود بالعتبة والسلم ، تحسبا من إثارة حفيظة المجلس الأعلى للإعلام المتحفظ دائما والمتحفز أيضا دائما ،والحقيقة أن عددا من الأغاني لجأت للفولكلور الذي يتناول تلك المساحات مثل صالح جودت غنت له وردة في فيلم (ألمظ وعبده الحامولي) من تلحين بليغ حمدى ((يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا /يا نخلتين على نخلتين طابوا في ليلي الهوى )) ، وهى أيضا تتناول ليلة الدخلة ، لديك أيضا فيلم (( شارع محمد علي )) والمطرب عبد الغني السيد وبكلمات أبو السعود الأبيارى وتلحين محمود الشريف وهو يقول (( ياوله ياوله)) كلها كلمات جنسية (( يابتاع التفاح / لون تفاحك راح/ في خدود ست الكل/ يابتاع الرمان / رمانك غلبان / بص علينا وطل/ يا بتاع الياسمين/ مين يندهلك مين /واحنا معانا الفل ))، ثم يوضح الأمر في النهاية (( دي حورية ياولا/ ولولولية ياولا/ وغازية ياولا / ياولا يا ولا /أرحمنى ياولا /والنبي ياولا )). وهكذا فإن المقارنة واضحة لا تحتمل اللبس ، وعندما مثلا أرادت نادية الجندي أن تسخر وتترك مساحة من الخيال للجمهور كتب لها شريف المنباوي في فيلم (( الباطنية)) هذا الأفيه الأشهر (( سلم لي ع البتنجان)) وما يوحى به البتنجان ،تركت مساحة من اللبس لأن المخ أحيانا يشار له أيضا بالبتنجان ،(و كل واحد وضميره )!!