كيف أدار “السادات” ملف التحالفات الدولية الاستراتيجية قبل حرب أكتوبر ؟
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
شهدت القمة السوفياتية الأمريكية في 26 مايو 1972 حدثًا تاريخيًا حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي يُفتح فيها باب الكرملين أمام رئيس أمريكي. كانت القمة تهدف إلى تحقيق نتائج ملموسة، ونجحت بالفعل في توقيع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية، مما يعد خطوة عملاقة نحو تحقيق السلام العالمي.
ومع ذلك، لم يكن الوضع في القاهرة أفضل حالًا. كان الرئيس أنور السادات غاضبًا، إذ لم تُدرج قضية سيناء على طاولة المفاوضات بين الزعيم السوفيتي ليونيد برجنيف والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، رغم كونها القضية الأهم في الشرق الأوسط في ذلك الوقت. كانت القرارات المتخذة في القمة تناسب مصالح كلا الرئيسين، مما دفع السادات إلى اتخاذ قرار التحرك على الفور، دون انتظار نتائج تلك المفاوضات.
السادات يُبعد قوى الاتحاد السوفيتي ويقرر مغادرتهم عن مصر
في الثامن من يوليو، التقى السفير السوفيتي في القاهرة بالرئيس محمد أنور السادات ليقدم له تقريرًا مفصلًا عن القمة الأمريكية السوفيتية. وفي الحوار الذي دار بينهما، قال السادات: “هل انتهيت؟ حسناً! دعوني الآن أعطيكم جوابًا. على مستشاريكم العسكريين أن يغادروا البلاد خلال أسبوع أو أسبوعين.”
وعلق “سيمينوفيتش أكوبوف”، السكرتير الأول في سفارة الاتحاد السوفيتي في مصر، على حديث السادات في لقاء تلفزيوني قائلاً: “يجب إنشاء نصب تذكاري للسادات لأنه يتحمل مسؤولياته، فهو بذلك يعفي الاتحاد السوفيتي من مسؤولية التحضير للحرب وشنها.”
بعد أيام قليلة، أعلم السادات كبار موظفيه بقراره. وفي الظاهر، رحب الجميع بفكرة إجلاء المستشارين الروس من القاهرة، لكن العديد رأوا أن السادات قد أخطأ في هذا القرار. ومن بينهم الدبلوماسي المصري “أحمد أبو الغيط”، الذي قال: “أزعجني ذلك القرار كثيرًا، إذ تسبب بشرخ كبير بيننا وبين السوفيت.” وأضاف “أبو الغيط”: “كما أنه جعل مسألة تزويدنا بالأسلحة اللازمة للقوات المسلحة لخوض تلك الحرب أكثر تعقيدًا.”
رغم طرد المستشارين العسكريين ..كيف حافظ السادات على علاقاته بالاتحاد السوفيتي
نفذ “السادات” قراره بالفعل، حيث تم طرد أكثر من 8 آلاف مستشار سوفيتي من مصر خلال أسبوعين فقط من لقائه مع السفير الروسي في القاهرة. ومع ذلك، لم تقطع موسكو علاقتها بالسادات.
من جهة أخرى، كان “السادات” حريصًا على الحفاظ على علاقته مع روسيا، وكان يروج دائمًا لفكرة أن مصر غير قادرة على القتال وتفتقر إلى الإمكانيات. ونتيجة لذلك، ضغط على الروس واستمر في طلب الأسلحة من خلال الوفود التي أرسلها، حتى أن وزير الدفاع المصري قام بزيارتهم مرتين.
أما الهدف المعلن من قبل “الكرملين”، فكان يتمثل في تقديم الدعم لمصر والدول العربية للحفاظ على الاستقرار، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على مستوى معين من التعاون. اعتبر الاتحاد السوفيتي أنه من المهم مواصلة تزويد مصر بالأسلحة والمساعدات العسكرية، حتى وإن كانت بكميات أقل.
بعد قرار طرد المستشارين الروس.. أمريكا خبر سار ونحاول ضم السادات لمعسكرنا
بعد قرار مغادرة المستشارين الروس، لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة اليد أمام هذا التطور، بل سعت لجعل مصر قوة تابعة لها في الشرق الأوسط. علق “هنري كيسنجر”، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون”، على هذا الأمر بالقول إن الخبر سار، وأشار إلى أنه طلب من “السادات” الانضمام إلى المعسكر الأمريكي بدلاً من الروسي، مما جعلهم يعيدون التفكير في موقف السادات.
في أواخر يوليو عام 1972، أرسلت الولايات المتحدة رسالة إلى الرئيس المصري، مفادها – حسب ما ذكره إيهاب وهبة، المستشار الدبلوماسي للسادات خلال الحرب – أن الوقت قد حان للقاء وبدء تبادل الأفكار حول مشكلات الشرق الأوسط كافة.
ومن جانبه، وافق “السادات” على الاقتراح الأمريكي وقرر إرسال مستشاره الخاص، “حافظ إسماعيل”، لمقابلة كيسنجر، الدبلوماسي المعروف بقدرته على التأثير على إسرائيل.
في 25 فبراير 1973، أي بعد سبعة أشهر من رسالة “كيسنجر”، وصل “حافظ إسماعيل” إلى الولايات المتحدة. وتوجه سرًا إلى مكان في ضاحية نيويورك حيث كان هنري كيسنجر في انتظاره. أغلق الرجلان على نفسيهما في غرفة مع معاونيهما وبدآ التخطيط لعملية السلام المستقبلية بين مصر وإسرائيل.
لم تتوقع مصر كثيرًا من هذا اللقاء، ولكن بما أن الأمريكيين هم من بادروا واقترحوا إجراءه، فلا شك أن لديهم اقتراحًا ما. وقد تجلى ذلك في الحوار الذي دار بين “كيسنجر” و”إسماعيل”، والذي يمكن تلخيصه كالتالي:
إسماعيل: على إسرائيل الإجلاء الكامل من سيناء.
كيسنجر: ماذا تقدمون في المقابل؟
إسماعيل: ستتحول من دولة حرب إلى دولة سلام مع الأخذ في الاعتبار جميع المتطلبات الأمنية المشروعة لإسرائيل في سيناء.
كيسنجر: وما هي الخطة التي وضعتموها؟
إسماعيل: يجب استكمال المرحلة الأولى في سبتمبر، مما يعني أنهم يجب أن يخلوا جزءًا من أراضينا قبل هذا التاريخ.
كيسنجر: ستجري الانتخابات في أواخر أكتوبر، ولن تحرك غولدا مائير ساكنًا قبل ذلك.
إسماعيل: إقناعهم متوقف عليكم، نحن ننتظر هذا منذ ست سنوات.
بعد يومين من المناقشة ودع الدبلوماسيين بعضهما على أمل أن يلتقيا مجددًا في شهر مايو وشاءت الصدفة أن تصل “جولدا مائير” رئيسة وزراء إسرائيل مقر البيت الأبيض مع مغادرة” حافظ إسماعيل” إلى مصر وذلك لمناقشة المساعدات الأمريكية العسكرية، و استغل “كسنحر” الفرصة ليطلعهما على ما تضمنه لقاءه بمستشار السادات .
ومن ناحيتها أصرت “جولدا مائير” على موقفها فلن تحرك ساكنًا قبل الانتخابات الإسرائلية المقرر إجرائها في أواخر شهر أكتوبر عام 1973م
السادات : أمريكا تريد من مصر والغرب المزيد من التنازلات ؟
عند عودته إلى القاهرة، أبدى إسماعيل حافظ استياءه من اليومين الذين قضاهما مع “كيسنجر”، حيث أدرك أنه لن يتمكن من التفاوض مع الجانب الإسرائيلي قبل الانتخابات. من جانبه، علق السادات بأن الولايات المتحدة تسعى للحصول على تنازلات جديدة، وأن الجانب المصري لم يعد يثق في أمريكا أو في جديتها لفرض السلام في المنطقة.
في التاسع من أبريل عام 1973، خص “السادات” مجلة نيوزويك الأمريكية بمقابلة مدوية، حيث أشار إلى أن الأمريكيين لن يتحركوا إلا إذا تلقوا صدمة حقيقية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. لم يكن “السادات” يومًا بهذه الصراحة مثلما كان في لقائه مع المجلة، إذ صرح قائلاً: “إذا لم تمارس أي دولة الضغط على إسرائيل، فإن الحرب ستكون واقعة.” ومع ذلك، لم يأخذ البيت الأبيض كلامه على محمل الجد، وهو خطأ جسيم ارتكبه الجانب الأمريكي الذي استهان بالمصريين.
وفي تعليقه على هذا الحدث، قال “إيهاب وهبة” إن الأمريكيين كانوا ينظرون إلينا على أننا المهزومون، وأنه إذا دخلنا الحرب، فسوف يعيد التاريخ نفسه، وأن هزيمة المصريين ستكون محتمة.
حافظ الأسد شريك جديد على الساحة
أدرك “السادات” أنه لن يحدث الصدمه لأمريكا ـ حسبما صرح في نيوز ويك ـ وحده، وأنه ف حاجه إلى شريك ليشن هجومًا على إسرائيل وأن هذا الشريك لا يمكن إلا أن يكون سوريًا متمثلا في حافظ الأسد .
وجدير بالذكر أنه إبان احتلال هضبة الجولان عام 1967م كان “الأسد” وزير دفاع واعتبر خسارة هضبة الجولان ذلا شخصيا له وأنه سيفعل المستحيل لاسترجاعها. في لقاء رسخ الزعيمين العربيين في الإسكندري تحالفهما، لكن السادات حرص أن لا يعلن لحليفه الجديد عن أهدافه الحقيقية، وأنه يخطط لهجوم محدود في الجانب الآخر من القناة لإجبار إسرائيل على استئناف مفاوضات السلام لذا ولإقناع الأسد أمر السادات الجنرال “الشاذلي” رئيس أركانه بوضع خطة حرب أخرى تتضمن غزو سيناء بالكامل ، وفي مذكراته كتب ” الشاذلي” :” أذهلتني هذه الازدواجية لكن بصفتي ضابطًا نفذت الأوامر واحتفظت بالسر “.
إسرائيل تستعرض القوة في الشوارع القدس المحتلة
القدس 14 مايو 1973 : في الوقت الذي كان فيه المصريون والسوريون يستعدون للحرب كانت جولدا مائير تحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس إسرائيل، كانت هي الفرصة الأنسب لإظهار القوة الإسرائلية وقوة جيشها بالإضافة إلى ثقة شعبها بالمستقبل وهو يرى الدبابات تجوب الشوارع وتظهر القوة العسكرية.
في 27 من سبتمبر وصلت وحدة من جنود الاحتياط الإسرائيلي إلى قناة السويس لتبقى طوال شهر، وهي الفترة المعتادة لتبديل الوحدات العسكرية. تمركزت القوات في حصن “بوركان” أحد التحصينات الخامسة والثلاثين من خط دفاع بارليف .
خطة الخداع الاستراتيجية
في تلك الأثناء رأى ضباط الجيش الإسرائيلي الجانب المصري يزود الجهة الأخرى من القناة بالمدافع والصواريخ، و بدورهم أطلعوا المقر الرئيسي بالأمر، فقالوا حسب ضابط اسرائيل :” أن لا تقلق، وأضاف لقد سخروا منا كما لو كان من الأفضل أن تلتزم الصمت في أي حال لم يأخذوا استعدادات الجانب المصري على محمل الجد ، و علقوا انها مناورات الخريف وهي مناورات وتدريبات تقليدية”
فيما علق اللواء “سامح سيف” لواء في الاستخبارات العسكرية المصرية، على تلك المناورات قائلا:” هناك خطة خداع استراتيجي، وهي خداع و إيحاء للجانب الاسرائلي و معاونيهم مثل أمريكا بأنها تدريبات عادية وأننا غير مستعدين للحرب. ونجحت الحيلة حيث حشد “السادات” عشرات الآلاف من الجنود على طول قناة السويس، وكذلك أطنان من المعدات في واشنطن كما في تل أبيب لا احد يساوره القلق.
السادات السفير السوفيتي : سأبدأ الحرب فأجلوا رعياكم
قبل ثلاثة أيام من بدء الحرب استدعى السادات السفير الروسي في القاهرة إلى مكتبة، فلديه رسالة سرية وعاجلة يرسلها إلى موسكو، كان مفادها أنه سيبدأ الحرب، و أضاف “السادات” لا أريد أن أُعرض حياة سفرائكم و جاليتكم للخطر لذا يعود القرار لكم فيما كنتم تريدون رعاياكم أم لا لكن من واجبي أن أعلمكم على الأمر .
كشف “السادات” سر مصر الدفين للحفاظ على علاقته مع السوفيت خلال الأسابيع المقبلة الحاسمه
في اليوم نفسه توجه اسماعيل علي وزير الدفاع في حكومته إلى سوريا لتحديد ساعة الهجوم كان من المقرر اصلا أن يحصل الهجوم بعد ظهر السادس من أكتوبر فاتفق الأسد على شن الهجوم في الساعة الثانية من بعد الظهر.
في إسرائيل : رن الهاتف في مقر الموساد كان على الخط من لندن “أشرف مروان” يريد أن يقابل رئيس الموساد على وجه السرعه، والذي قال في لقاء تلفزيوني :” كنا قد اتفقنا على جملة محددة يقولها في حال أراد التحدث إليا في موضوع الحرب فالمصطلحات لدينا يعرف بالرمز التشغيلي لم يستعمل في رسالته الجملة المتفق عليها، ولكن لم يقولها”. و ماهي إلا فترة وجيزة حتى وصل إلى تل أبيب التقرير الأول في شأن إجلاء العائلات السفيتيه”.
وفي صباح اليوم التالي في الخامس من أكتوبر 1973م دعت” جولدا مايئر” إلى اجتماع طارئ قل عنه ” ايلي زيرا” رئيس الاستخبارات العسكرية : أنهم اكتشفوا تخطيط المصريون لشن الحرب لكن خطتهم فشلت فلن تكون هذه بمفاحاءة إذ علموا بإجلاء السوفيت من بلادهم.
وأضاف:” أدركنا المسألة ولكن لم يقترح أيا منا تدابير عاجلة، ولم يشأ الجميع أخذ التدابير اللازمة فهم مقتنعين أن الجاسوس المصري سيعلمهم قبل الحرب بـ ٤٨ ساعه، لأخذ التدابير اللازمة استعد للحرب”.
في الخامس من أكتوبر عام 1973م قبل الحرب بيوم في مذكرات ” السادات” قال :” كنت أنتظر يوم غد يوم ستجتاح الحرب العالم وهذا وكنت ما أتوقع حصوله في أي يوم من حياتي” . في مقال آخر سنروي تفاصيل الحرب ذاتها بصورة مفصلة.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال