“نركسوس”.. أهان إيكو واستهزأ بها فقتلته الآلهة بالعشق
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ومن الحب ما قتل، وفي قصتنا هذه التي دارت أحداثها في زمن الآلهة الإغريقية، كان ضحية العشق “اثنان لا واحد فقط”، والسبب الغرور، فلنتعرف أولًا على الحورية فائقة الجمال ” إيكو”.
كانت إيكو حورية جميلة للغاية، عذبة اللسان، تجلس دائمًا على ضفاف البحيرات وبين الغابات، تلهو بمرح وتمارس هوايتها المفضلة في مراقبة الأخرين بهدوء وسكينة.
يومًا ما وقع بصرها على الإله زيوس كبير الآلهة وهو بصحبة حورية حسناء، ويغازلها والسعادة تغمرهما، وبعدها رأت الإلهة هيرا، زوجة زيوس، وكانت غاضبة للغاية، واستوقفت إيكو وسألتها عما إذا كانت قد رأت زيوس مارًا من هنا مع حورية حسناء أم لا؟، فأجابت إيكو بالنفي، وطلبت من هيرا أن تجلس معها قليلًا، وتحدثتا سويًا، وبينما كان الحديث يأخذ مجراه لمحت هيرا زوجها وهو يتسلل ليصعد إلى مملكة الآلهة، فاستشاطت هيرا غضبًا عندما أدركت أن إيكو خدعتها لتتستر على زيوس، وقرّرت أن تنتقم من إيكو، وانتقام الآلهة ليس بالأمر الهين، وكانت عقوبتها عقد لسانها العذب عن الكلام، ولم تستطع إيكو أن تتحدث بعدها أبدًا، فقط تردد آخر كلمات من جملة المتكلم، فيما يُعرف باسم صدى الصوت.
المغرور نركسوس
كان نركسوس شابًا فائق الجمال، أعجب به كل من رآه سواء من الآلهة أو البشر، لكنه كان متكبرًا ومغرورًا، كسر قلوب عشرات الفتيات، ولم يجد العشق طريقًا لقلبه أبدًا.
يومًا ما ذهب إلى الغابة ليصطاد مع أصدقائه، وكانت إيكو جالسة كعادتها في أعلى الهضبة تراقب المارة، ووقع بصرها على نركسوس، أبهرها جماله ووقعت في غرامه من النظرة الأولى، وظلت تراقبه بصمت وتخاف أن تقترب منه، لأنها غير قادرة على التحدث، وفي إحدى زيارات نركسوس للغابة، انقض هو وأصدقائه على قطيع من الغنائم، وبدأ كل واحد منهم في مطاردة فريسته، وافترق الأصدقاء في الغابة، وانطلق خلف فريسته يحاول أن يصيبها، وبعد جهد كبير تمكن من اصطيادها، ولكنه أدرك أنه ابتعد كثيرًا عن أصدقائه، فجلس عي جانب البحيرة يلتقط أنفاسه قليلًا قبل الرجوع إليهم، وهنا قررت إيكو التي كانت تراقبه من بداية مطاردته للفريسة، أن تقترب منه، وسمعته يغني أغنية ورددت هي أخر الكلمات التي يقولها، وشعر بالذعر عندما رآها، وحاولت هي الاقتراب أكثر ومدت ذراعيها لتحضنه، ولكنه ابتعد عنها وسقطت على وجهها، فنظر لها نظرة استهزاء وسخرية، وقامت إيكو من على الأرض وهي تلملم بواقي كرامتها التي بعثرها.
اختفاء إيكو وانتقام الآلهة
عاد إلى أصدقائه، وأخذ يحكي لهم بفخر عما حدث مع إيكو، وكيف أهان تلك الحورية الجميلة، وأسقطها تحت قدمه، وسمعت إيكو ذلك الحديث، وشعرت كأن هناك طعنة في قلبها، ومرت الأيام وهي تبكي ليلًا ونهارًا، وأخذت تذبل ويختفي جمالها بسبب حزنها، حتى جاء اليوم الذي اختفى فيه جسد إيكو تمامًا، وصارت عبارة عن صدى صوت يردد أخر الكلمات فقط.
أفروديت آلهة الحب، لم يروق لها ما حدث مع إيكو، وقررت أن تنتقم من نركسوس على فعلته، وعقاب الآلهة شيء ليس هين بالمرة، ذات يوم خرج كعادته للصيد في الغاية مع أصدقائه، وافترقوا خلف الفرائس، وبعد مطاردة طويلة قرر أن يستريح قليلًا بجانب بحيرة صغيرة، واقترب منها ليشرب، ولكنه رأى صورة لشخص جميل للغاية منعكسة على سطح الماء، أعجب به كثيرًا، وابتسم له ولوح بيديه، وفعل الشخص في الماء نفس الفعلة، فهو لم يكن سوى انعكاس لصورة نركسوس نفسه.
ذهب لمنزله وهو يفكر بذلك الشخص الجميل، ولم يتمكن من النوم طوال الليل، فذهب للبحيرة وهو يمشي بحذر وبطء خشية أن يوقظ حبيبه من النوم، ودنا من البحيرة ووجد أنه مستيقظ وفرح نركسوس كثيرًا، وظن أنه لم ينم هو الأخر بسبب عشقه له، وقال له أحبك ووجد الشخص في الماء يحرك شفتيه بنفس الأحرف، وعاد نركسوس إلى منزله وهو يطير فرحًا مما حدث، وكانت صورة الشخص في البحيرة لا تفارق خياله، وزاد عشقه له يومًا بعد يوم.
ولكن بعد فترة، اصبحت تلك اللقاءات غير كافية لنركسوس، أراد أن يخرجه من الماء ليلمسه ويحضنه، ولكن اختفى الشخص بمجرد أن حرك نركسوس الماء، وأعاد التجربة مرة أخرى وكانت نفس النتيجة، فحزن نركسوس بشدة لأنه ظن أن حبيبه لا يبادله نفس المشاعر، ولا يريد أن يكون معه، وتملك الحزن من قلب نركسوس، فذبل عوده، وذهب جماله، وظل على هذه الحال، حتى مرض بشدة وكان يحتضر، وفي اللحظات الأخيرة له قال، يا من أحب وداعًا، ليرد عليه صدى الصوت (إيكو) يا من أحب وداعًا، وأغمض نركسوس عينيه للمرة الأخيرة.
عودة نركسوس للحياة
دُفن بجوار البحيرة التي بها حبيبه كما وصى، وعفت عنه الآلهة وقررت إعادته للحياة مرة أخرى، ولكن ليس بشريًا، إنما على هيئة زهور تنبت بجوار البحيرات، تُدعى زهور النرجس، نسبة لنركسوس.
الكاتب
-
مريم مرتضى
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال