أغرب طلبات المحكوم عليهم الأخيرة…حكايات من داخل غرف الإعدام
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يرتدي المحكوم عليه بعقوبة الإعدام البذلة الحمراء داخل الزنزانة، حتى يتذكر في لونها لون الدم الذي أراقه، أما اختيار اللون الأسود للعلم الذي يرفع فوق سارية سجن الاستئناف، فليس حدادًا على المذنب، ولكنه إعلان عن بشاعة جريمته السوداء، وعن سواد مصيره.
لوائح السجن تقتضي إخفاء موعد تنفيذ الإعدام عن الجاني، لكن بعضهم يشعر من حضور أقاربه لزيارته الأخيرة ومن سؤاله إن كان له طلب معين لإحضاره على العشاء الأخير، وفي حالات قليلة يقوم أحد حراس المذنب بإبلاغه عن موعد التنفيذ إذا كان يقوم بينهم نوع من الألفة.
الكاتبة الصحفية فاطمة السيد في كتابها “مذكرات صحفية في غرفة الإعدام” تقول أن أحد ضباط السجن كان يبكي وهو يصحب المذنب المحكوم عليه من زنزانته قبل تنفيذ الحكم.
وفسر أحد الأطباء مسألة زيارة وزن المحكوم عليه بالإعدام، فقال، إن التعليمات تقضي بوزن المحكوم بإعدامه عند دخوله سجن الاستئناف وتسجيل البيانات الخاصة بحالته، كما تقض بوزنه بعد أن يتحول إلى جثة هامدة، وهنا يظهر الفرق، ومن الملاحظ أن معظم من نفذ فيهم حكم الإعدام زاد وزنهم خلال وجودهم داخل الزنزانة.
الرغبة الأخيرة
هل الرغبة الأخيرة لمن يواجه الإعدام مجابة بأمر القانون؟، نعم، إذا طلب المحكوم عليه بالإعدام طلبًا معينًا يُلبى إذا كان في حدود المعقول، فإذا طلب رؤية أحد أقاربه، ولو كان في مكان بعيد يُرسل لإحضاره مع التنبيه عليه بإخفاء ذلك عن المذنب.
وحكى مأمور السجن، عن طلبات المذنبون، فبعضهم يطلب أنواعًا فاخرة من الطعام كالتفاح، الدجاج المشوي، وقبل تنفيذ الإعدام مباشرة تجاب الرغبات أيضًا إذا كانت في حدود المعقول وسريعة بحيث لا تعطل تنفيذ الحكم، فبعضهم يطلب سيجارة أو قهوة وبعضهم لا يطلب شيئًا.
دوجلاس
كان دوجلاس هو الاسم الحركي لزعيم العصابة الذي لم يكن يميزه عن زميله سوى عقل مفكر وذكاء، استخدمهما في الشر وفي صنع الجريمة، وكان قصير القامة نحيل الجسم لونه أسمر غامق، ظل يستعرض قوته ويتظاهر بالشجاعة حتى أزهق عشماوي روحه، وكان آخر طلب له قبل تنفيذ الحكم فنجان قهوة سادة وسيجارة ليستطيع التحدث مع الصحفيين.
أما العريس الذي ارتكب مع شريكته جريمة قتل ثلاث ضحايا أبرياء للحصول على 3 جنيهات يكمل بها مهر عروسه فكان آخر طلب له وهو على حبل المشنقة أن تظهر صوره التي التقطها مصورو الصحف وهو يضحك.
موضة إيقاف الإعدام
أعوام 1961، 1962، 1963، شهدت أغرب محاولات لإنقاذ مذنبين من حبل المشنقة، في القاهرة وطنطا وبني سويف، حيث أصدرت محاكم جنايات في الثلاث محافظات أحكاما بالإعدام على 8 من المتهمين في جرام قتل وسرقة، وفي كل مرة يدخل فيها عشماوي غرفة الإعدام ويستعد لتنفيذ المهمة، يفاجأ برئيس النيابة يطلب منه أن يرفع يده قائلًا: تقرر وقف التنفيذ.
كان عشماوي، حسبما تحكي فاطمة السيد، حزينًا ، يقول:”دي مش حكاية دي بقت موضة اخترعها المحامون، لازم يشوفوا حل لحكاية موضة المحامين في وقف الإعدام”.
كانت قضية عزوز ولبيب من أشهر القضايا التي عرفتها محاكم القاهرة، قام محاميهما فاروق صادق برفع 17 قضية لينقذ موكليه من الإعدام.
قام بأجرأ وأغرب محاولات لتعطيل التنفيذ وإيقاف الحكم، افلح في 16 شهرا بعد الإيقاف الأول لحكم الإعدام يوم 23 أكتوبر عام 1961، وكان عشماوي قد وضع الحبل فوق رقبة عزوز فعلًا، وأوشك على انهاء المهمة، لكن المحامي تدخل وقال أن لديه أسبابا توجب إيقاف التنفيذ.
وكانت أول مرة في تاريخ القضاء المصري أن يقوم أربعة محكوم عليهم بالإعدام بمخاصمة النائب العام، وقدم محامي الأربعة فاروق صادق استشكالً في تنفيذ الأحكام أمام غرفة الاتهام، والمحكوم عليهم هم عزوز ولبيب ومحمد عبد العظيم خضر قاتل الشاهد أمام المحكمة بطنطا، وبراد عبد العال قاتل زوجة العسكري بإمبابة، وحكمت الاستئناف في 8 مايو 1962 بعدم جواز قبول دعوى المخاصمة.
قدم المحامي الاستشكال يوم 30 ديسمبر من عام 1962 بعد أ، رفض النائب العام في هذا الوقت عطية إسماعيل الالتماس منهم بإعادة النظر في أحكام الإعدام.
قال المحامي إن أسباب المخاصمة أن النائب العام رفض التماس “خضر” و “براد” مع أن المادة 441/3 من قانون الإجراءات تنص على أن النائب العام يحيل الالتماس إلى محكمة النقض، مهما كان رأيه فيه، واستند إلى أقول بعض أساتذة القانون، وقال إنه بالنسبة لعزوز ولبيب، رفض النائب التماسهما قبل أن تفضل المحكمة الاستئنافية في دعوى التزوير التي أقاماها في تحقيقات إعادة النظر.
وكان النائب العام محمد عطية إسماعيل قد صرح لمندوبي الصحف يوم 30 ديسمبر 1962 أن تنفيذ الإعدام في أربعة من المحكوم عليهم سيتم بعد فترة رأس السنة والعيد، فالعادة جرت على وقف التنفيذ في المناسبات والأعياد.
في كل مرة كانت الصحف تنشر عن قضايا وقف التنفيذ فتقول إنها آخر مرة، ثم تفاجأ بغيرها، وذلك بهدف تعطيل العدالة وإفلات المتهمين من القصاص.
وكانت أغرب قضية طال فيها أمد النزاع بين محكوم عليهما بالإعدام للإفلات من حبل المشنفة حول رقبتهما، تبدأ بمصرع اللواء محمود برهان في الفيلا الخاصة به في عزبة النخل.
كان ذلك في ديسمبر من عام 1975، تم اكتشاف الجثة وبأت إجراءات التحقيق وامتدت أصابع الاتهام لتشير إلى عزوز شفيق ولبيب أيوب وشريك ثالث لهما اسمه مخيمر حكم عليه بالمؤبد وقالت تحقيقات الشرطة والنيابة أن الثلاثة قتلوا الضابط وسرقوا نقوده.
استعدت إدارة السجن لتنفيذ حكم الإعدام الذي تقرر أن يتم يوم 23 أكتوبر من عام 1961، وقام أقارب المذنبين بزيارتهما الزيارة الأخيرة كالمتبع قبل التنفيذ بيوم، وفي الثامنة إلا ربع من صباحا يوم التنفيذ صعد الضابط والحراس إلى الزنزانة رقم 4 وعادا بالمذنب عزوز الذي كان عليه الدور في قائمة الإعدام.
نزل بين الحراس ذاهلًا، تقدم من هيئة التنفيذ حتى وقف أمامها، تلا عليه مأمور السجن صيغة الحكم وساقه عشماوي إلى داخل غرفة الإعدام وقف على طبلية المشنقة وقبل أن ينفذ فوجىء برئيس النيابة يأمر بوقف التنفيذ بناء على طلب محامي المتهمين، ومنذ هذا التاريخ لمدة 16شهرًا.
لم تنقطع محاولات عزوز ولبيب للإفلات من قبضة عشماوي، طعن محاميهما بالتزوير في تقرير خبير البصمات وقدم خبير البصمات وقدم 17 التماسًا بإعادة النظر في الحكم.
وحكى براد محمد الذي أجل تنفيذ قرار الإعدام، قائلًا:” لم أصدق نفسي شعرت أني في حلم، كنت أطير من الفرحة، عرفت من 3 دقائق فقط أني سأعدم وقرأت الشهادتين في الزنزانة على روحي، لكن ربنا ست، أصل مش قاتل يا أخواني، لو كنت قتلت كان معلهشي.
أما عزوز ولبيب فأن محاميهما لم يفقد آخر أمل في إنقاذ رقبتيهما من حبل المشنقة حتى صباح يوم التنفيذ وأمام غرفة الإعدام ليوقف تنفيذ الحكم ولكن رئيس النيابة رفضه.
وسبق هذا حكم محكمة القاهرة الابتدائية الذي أصدرته في 15 فبراير عام 1963 برفض الإشكال الذي قدمه المحامي لوقف تنفيذ حكم إعدام عزوز ولبيب أيوب في القضية رقم 17 من القضايا التي أقامها المحامي ضد حكم الإعدام، واستندت المحكمة في حكمها إلى أن مبنى الإشكال فيه افتراء على الحقيقة، وافتئات على القانون.
وفي بني سويف جرت محاولة لوقف تنفيذ إعدام ثلاثة قام بها محام قبل التنفيذ بربع ساعة فقط، استمر الإيقاف ساعة ونصف، حتى أصدر النائب العام قراره تليفونيًا بتنفيذ الإعدام.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال