رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
254   مشاهدة  

عبدالحميد الثاني .. المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل “حقيقة أم كذبة؟”

عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تظل قصة اللقاءات بين السلطان العثماني عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل حول شراء الصهاينة أرض فلسطين، محط خلاف بين مؤيدي ومعارضي الدولة العثمانية حتى الآن.

المؤيدين للدولة العثمانية رأوا أن عبدالحميد الثاني طرد هرتزل ورفض بيع فلسطين، والمعارضين للدولة العثمانية رأوا أن السلطان بعد رفضه رضخ لهرتزل بدليل كمية المستوطنات التي بنيت في فلسطين خلال توليه الحكم العثماني بين أغسطس 1876م وإبريل 1909م.

تعقيب حول كتابٍ صار أزمة في قصة عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل وفلسطين

عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل
كتاب تناول علاقة السلطان عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل

هناك قول مشهور منسوب إلى السلطان عبدالحميد الثاني حول موقفه من عروض تيودور هرتزل بشراء أراضي في فلسطين للصهاينة وهو قوله «ليوفر اليهود مليارتهم فإذا قسمت إمبراطوريتي ربما يحصلون على فلسطين بلا مقابل، إنما لن تقسم إلا على جثثنا، أنا لن أقبل بتشريحنا ونحن أحياء».

تاريخيًا هذا القول صحيح وأقر به هرتزل نفسه في ص378 من مذكراته [بالنسخة الأجنبية](1)، وكان هذا الرد شفويًا وحمله من السلطان إلى هرتزل صديقًا مشتركًا هو فيليب نيولنسكي الصحفي النمساوي ومسؤول الإدارة السياسية في السفارة النمساوية باسطنبول وذلك في 26 يونيو سنة 1896م.

بعد 108 سنة من المقولة المشهورة، أصدر مركز دراسات الوحدة العربية في لبنان كتابًا للمؤرخة فدوى نصيرات بعنوان دور السلطان عبدالحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين؛ وأحدث الكتاب جدلاً كبيرًا في أوساط الباحثين.

فدوى نصيرات صاحبة الكتاب
فدوى نصيرات صاحبة الكتاب

حتى الآن ورغم انتقاداتٍ موضوعية إلى حدٍ ما للكتاب(2)، لم ينفي أحد المعلومات الواردة فيه، فكافة المعلومات التاريخية الواردة كـ معلومات حدثت بالفعل خاصةً وأن المؤرخة نوعت مصادرها بين مؤيد ومعارض بل وتاريخ رسمي.

لكن مأزق الكتاب الحقيقي تمثل في أمر واحد وهو مصطلحي [تسهيل] و[سيطرة] الواردين في عنوان الكتاب، إذ أن العنوان يوحي أو يعطي انطباعًا بشكلٍ مباشر أن هناك صفقة سرية ما أبرمت بين عبدالحميد الثاني وهرتزل، على الرغم أن الكتاب قال بشكلٍ صريح أن عبدالحميد الثاني رفض عروض هرتزل.

وللدقة وطبقًا للمعلومات الواردة في الكتاب كان ينبغي للمؤرخة أن تضيف مصطلح [ضعف] قبل اسم عبدالحميد الثاني وتسبدل كلمة [سيطرة] بكلمتي [بدء الوجود] فيكون عنوان الكتاب افتراضيًا [دور ضعف السلطان عبدالحميد الثاني في بدء الوجود الصهيوني على فلسطين] فذلك العنوان الافتراضي يقول به نص الكتاب، حتى يكون هناك سببًا معروفًا لكمية المستوطنات والهجرات الصهيونية التي حدثت في ظل حكم السلطان عبدالحميد الثاني.

هل يتحمل ضعف عبدالحميد الثاني مسؤولية التواجد الصهيوني في فلسطين ؟

عبدالحميد الثاني
عبدالحميد الثاني

بلا شك فإن السلطان عبدالحميد الثاني كصاحب سلطة كان شديد الضعف وضعفه هو السبب الرئيسي والأساسي وراء بدء التواجد الصهيوني في فلسطين.

ورفض السلطان العثماني وتشدده في ذلك بشكلٍ صارم لم يكن فعالاً، ويدلل على ذلك مثلاً أنه في إبريل 1882م أعلنت الدولة العثمانية أنه لن تسمح لليهود بالهجرة لفلسطين، وإنما لهم حق الهجرة لأي ولاية عثمانية ويستقروا فيها بشرط أن يصبحوا رعايا عثمانيين تطبق عليهم الفرامانات.

ذلك الفرمان لم يكن له أي تأثير لأن اتفاقيات الامتيازات الأجنبية الموقعة بين أوروبا والدولة العثمانية تناقض ذلك القرار، فتراجع عبدالحميد عن ذلك لاحقًا سنة 1898م حيث أصدر قرار بمنع اليهود الأجانب من دخول فلسطين دون تمييز مالم يدفعوا تأمينًا ويقدموا تعهدًا بالمغادرة خلال 30 يوم، ثم عدل الفرمان بعد ذلك بسنة وألغى مدة الإقامة وجعلها من شهر لـ 3 أشهر.

المسجد الأقصى سنة 1900م
المسجد الأقصى سنة 1900م

يترآى من ذلك أن عبدالحميد الثاني أراد أن يكون مناورًا مع هرتزل حتى يستفيد منه في مسألة الأرمن وحل ديون الدولة العثمانية، وهو وإن لم يسمح بالهجرة الصهيونية لليهود لكنه اقترح أن يدخلوا فلسطين كرجال أعمال أصدقاء وهو الشيء الذي رفضه هرتزل كما ذكر في مذكراته؛ وبالتالي فإن مناورات عبدالحميد الثاني من أجل الديون قوبلت بمراوغاتٍ من تيودور هرتزل رغم خسارته، فقد خسر أن يأخذ تصديق من السلطان العثماني ببيع فلسطين كلها والاستيطان فيها، لكنه نجح في أن يجعلها قضية رأي عام غربي ونجح في أن يضع الفكر الصهيوني على خريطة الدول العظمى سياسيًا.

لم يقم أحد من مؤرخي الدولة العثمانية بذكر تفاصيل لقاءات السلطان عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل وكافة المراجع المتاحة عن ذلك هي مذكرات هرتزل، وأخبار الصحافة العربية حينها(3)،وبالطبع سيشكك الناس في الاثنين لأن الصحافة [حسب وصفهم – تكذب -] وهرتزل أيضًا كاذب.

لكن لو قبلنا بذلك فإن الأرقام والتواريخ من السجلات الرسمية تشير إلى نجاح الصهاينة في تأسيس 99 مستوطنة في فلسطين وكلها خلال حكم السلطان عبدالحميد الثاني.(4)

اقرأ أيضًا
المجهول عن تاريخ القدس والدولة العثمانية “مراحل التورط العثماني في ضياع فلسطين

هل عبدالحميد الثاني المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل ؟

عبدالحميد الثاني والقدس
عبدالحميد الثاني والقدس

بعد صدور كتاب المؤرخة الراحلة فدوى نصيرات باتت عناوين أغلب المواقع التي تتخذ صفًا معاديًا للدولة العثمانية، تنعته بوصف «المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل».

في إشارة إلى أن بداية كثيرة المستوطنات اليهودية الموجودة في فلسطين تم بناءها خلال العصر الحميدي ولاحقًا قامت عليها الدولة الإسرائيلية.

إقرأ أيضا
الحشاشين

وبعيدًا عن مساوئ الدولة العثمانية الكارثية في بلاد العرب عمومًا، وبمنأى عن النقاش عن الفصل بين العَثْمَنة والتتريك؛ لكن ذلك الوصف تاريخيًا غير منضبط وسطحي إلى حدٍ بعيد.

سطحية وصف عبدالحميد الثاني بمؤسس إسرائيل الحقيقي، ليس لأن دولة إسرائيل قامت بعد رحيله بـ 30 سنة، ولكن لأن الإجراءات الحقيقية والرسمية لتأسيس إسرائيل تمت بشكلٍ لا لا دخل للعثمانيين فيه باستثناء ضعفهم من جانب ولعوامل أخرى بعيدة عن عبدالحميد الثاني.

يدلل على ذلك أن رغبة المجتمع الدولي في تأسيس دولة لإسرائيل بالقدس زمن عبدالحميد الثاني لم تكن جدية وهو الشيء الذي عانى منه تيودور هرتزل حتى موته.

إضافةً إلى ذلك فإن بريطانيا هي المؤسسة الفعلية لدولة إسرائيل المزعومة في القدس وذلك من خلال مؤتمر كامبل بنرمان سنة 1907م، ثم وعد بلفور سنة 1917م، ومسؤولية العثمانيين هنا تكمن في ضعفهم إذ أن ضعف جيشهم أدى لضياع القدس ودخوله تحت الانتداب البريطاني.

حتى الانتداب البريطاني لم يبادر لتنفيذ وعد بلفور بعد احتلاله للقدس مباشرةً إذ ظل وعد بلفور غير منفذ طيلة 30 سنة بعد صدوره حتى صدر قرار تقسيم فلسطين سنة 1947م، ثم فشلت الجيوش العربية في هزيمة الصهاينة بعدها بعام؛ بالتالي عدم الكلام عن الإجراءات الفعلية والحقيقية لتأسيس إسرائيل وحصرها في عبدالحميد الثاني هو نوع من أنواع السطحية التاريخية، وليس ذلك في سياق الدفاع عن عبدالحميد ولا العثمانيين، لكن لأن خطورة تلك السطحية لا تُرِي الأجيال الجديدة الصورة الكاملة من عُهْر المجتمع الدولي وضعفنا نحن.


(1)  أنيس صايغ، يوميات هرتزل، ترجمة: هلدا شعبان صايغ، ط/1، مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1968م، ص35.
(2)  محمد شعبان صوان، نظرات في كتاب “دور السلطان عبد الحميد في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين” للدكتورة فدوى نصيرات، موقع الوفاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب، 23 يناير 2015م
(3)  أمثلة من الصحف التي تناولت استيطان الصهاينة وخطورة لقاءات عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل هي :-

  • المقطم، عدد 23 أكتوبر 1897م، ص1
  • مجلة المقتطف، مجلد 22، ج4 لسنة 1898م، ص310.
  • مجلة المشرق، عدد 23، ديسمبر 1899م
  • الأهرام، عدد 4 يونيو 1898م، ص1
  • الأهرام، 17 ديسمبر 1898م، ص1
  • الأهرام، 15 مارس 1899م، ص1
  • الأهرام، 29 إبريل 1899م، ص1
  • الأهرام، 19 ديسمبر 1900م، ص1
  • الأهرام، 24 يونيو 1898م، ص1
  • الأهرام، 9 يونيو 1901م، ص1.
  • الأهرام، 29 إبريل 1899م، ص1

     ♦ وللمزيد أكثر لمعرفة الصحف المصرية وموقفها انظر :-
سهام نصار، موقف الصحافة المصرية من الصهيونية 1897م – 1917م، ط/1، سلسلة تاريخ المصريين ج65، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م
(4)  فدوى نصيرات، دور السلطان عبدالحميد الثاني في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين، ط/1، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2014م، ص ص114–121.

الكاتب

  • عبدالحميد الثاني وتيودور هرتزل وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان