“عَرَّام المنياوي” حكاية صعيدي ادعى النبوة في قرية البدرمان بالمنيا

«غربي النيل، كثيرة البساتين والجنات، متصلة العمارات والخيرات»
هكذا وصف الإدريسي[1]، قرية البدرمان وهي الآن إحدى قرى مركز دير مواس في محافظة المنيا لما كان اسمها تزمنت، ولعل ذلك الوصف هو النموذج المثالي لمكان يدفع المرء لتأمل صنع الله وجماله في الكون.

عرام المنياوي المتدين الكافر المتدين

ربما كان عرام المنياوي مفتونًا بجمال قرية البدرمان وأدرك أن للكون خالق فصار متدينًا، لكنه سرعان ما لبث أن ادعى النبوة في مخالفة صريحة للنص القرآن الذي يجزم صراحةً بأنه لا نبي ولا رسول بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

اقرأ أيضًا 
كيف غَيَّر أمير الشعراء قصيدة طلع البدر علينا من أجل مدح رئيس ديوان الخديوي

لم يعطي ابن حجر العسقلاني تفاصيل حول قيام عَرَّام بادعاء النبوة سوى أنه رأى السيدة فاطمة الزهراء في المنام وأخبرته نقلاً عن أبيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه هو الرسول، فأعلن النبوة، وكان له أتباع، ولما سمع الشيخ ابن عبدالوارث المالكي خبره ذهب إليه وعاقبه.[2]

لكن إبراهيم بن حسن البقاعي ساق تفاصيل أكثر من الشيخ المالكي[3]، فقال أنه في مايو 1421مـ / جمادى الأولى 824هـ جاء رجل اسمه مسعود الأحدب إلى الشيخ القاضي أبو الخير عبدالرحمن بن عبدالوارث البكري، وقال له أن هناك رجل اسمه عرام من بطن من عرك (يقصد فرع من قبيلة عرك العربية)، كان يذكر الله ويتدين، ثم بعد مدة ادعى أنه نبي، فذهب إليه القاضي البكري ليلاً ووصل إلى بيته في قرية البدرمان صباحًا، فنادى على عرام ليرد عليه عرام من الداخل: جيت لك يا قاضي بكري يا أعور، ثم خرج عرام إليه.

وصف القاضي البكري شكل عرام فقال هو رجل طويل صافي الأدمة (صافي الجلد = البشرة)، كث اللحية، صادق بياض العينين، مقرون الحاجبين، وبيده عصا ثخينة جدًا طويلة، وقال البكري لعرام: كيف تكذب على الله وتدعي أنك نبي ولا نبي بعد محمد بن عبدالله ولا رسول، فرد عليه عرام: أنا نبي، وجائتني فاطمة بنت النبي من المساء ومعها الملائكة وأخبروني أنك آتٍ إليّ لتضرب رقبتي.

قام عرام بالهجوم على القاضي البكري فضربه بالعصا على كتفه وأضلاعه، وهم بضربه ثانيةً لكن القاضي فر منه وكتب إلى مسعود الأحدب قائلاً: إنك غريم الله ورسوله إن لم ترسل إليّ هذا الرجل، فنجح الأحدب في إحضاره وقام القاضي البكري بضربه وقيده في السلاسل ثم حبسه، وقام بعلاجه عن طريق إطعام الأدهان (أي أكل الزيوت) فرجع إلى عقله وتاب؛ ولعل علاجه بالإدهان له سبب تطرقت له الدكتور محمود عبدالمقصود خلال دراسة له في حالة متشابهة حيث قال «لعل ضربه يشبه الطريقة المتبعة من معالجة أطباء الأمراض العقلية لمرضاهم بالصدمات الكهربائية».[4]

وقد ترحم الشيخ البكري على عرام المنياوي في ختام كلامه للبقاعي فقال: استمر عرام على الذكر والعبادة إلى أن مات رحمه الله.

إقرأ أيضا

نيرة ضحية المجتمع الذكوري وعود الكبريت

لم يكن عرام المنياوي سنة 1421م هو الحالة الصعيدية الوحيدة لادعاء النبوة، فقد جاء بعده بـ 68 سنة وتحديدًا في سبتمبر 1489م / 894هـ، حالة أخرى لصعيدي آخر من أبو تيج، ادعى أنه رأى الله جهرًا وكلفه بأنه رسول إلى البشر، لكن الشيخ بن شاهين في تاريخه لم يذكر تفاصيل عن نهايته.[5]

[1]  الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ج1، ط/1، عالم الكتاب، بيروت – لبنان، 1409هـ / 1989م، ص125.
[2]  ابن حجر العسقلاني، إنباء الغُمْر بأنباء العمر، تحقيق: حسن حبشي، ج3، ط/1، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وزارة الأوقاف، القاهرة – مصر، 1415هـ /1994م،  ص243.
[3]  إبراهيم بن حسن البقاعي، عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران، تحقيق: حسن حبشي، ج3، ط/1، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة – مصر، 1427هـ / 2006م، ص ص72–73.
[4]  محمود عبدالمقصود ثابت محمد، ادعاء النبوة في مصر والشام عصر سلاطين المماليك، مجلة حولية سِمِنَار التاريخ الإسلامي والوسيط – الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، القاهرة، ع6، ص193.
[5]  ابن شاهين الظاهري، نيل الأمل في ذيل الدول، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، ج8، ط/1، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت – لبنان، 1422هـ / 2002م، ص ص162–163.