ليسبيان

هل فكرت يوما من أين جائت كلمة ” ليسبيان ” لوصف الشواذ من النساء ؟

إذا كنت لا تعرف فتعال إلى جواري وإسترح على الأريكة، وإليك هذا الطبق الذي به بعض حبات الترمس بمناسبة اقتراب فصل الربيع وشم النسيم، ودعني أقص عليك أصل تلك الكلمة عن ملخص مُبسّط لما جاء في كتاب ” لا العسل تشتهيه نفسي ولا النحل ” ترجمة طاهر رياض وأمنية أمين، وكتاب سافو : شاعرة الحب والجمال عند اليونان” لـ د / عبد الغفار مكاوي أستاذ الفلسفة والمترجم والكاتب الأدبي والفلسفي.

سافو تلك المرأة اليونانية والتي تعتبر أول شاعرة في تاريخ الأدب النسائي، عاشت في القرن السادس قبل الميلاد، وكانت نابغة في الشعر والغناء والموسيقى، فكانت كتاباتها تتميز بالجرأة في التعبير، واستطاعت إلغاء أية كلمات مُحرّمة ومُجرّمة من سطورها، وكانت أشعارها تتركز على الحب والطبيعة والجمال، وتتميز بالبساطة، وبالسيطرة الحذرة على العروض، والإستعمال المكثف للصفات، كما ابتكرت سافو مقطوعات كما نسميها الآن الرباعيات، إذ كانت تتكون من ثلاثة أبيات طويلة ورابع قصيرة، وهو الشكل الذي قد أخذه عنها شعراء كثيرون.

سافو طلعت شاعرة مش مسحوق غسيل

ولأنها كانت شخصية فذة وفريدة ومتميزة فقد كانت تُحارب من أعدائها والرافضين لتميزها، وهذا ما أدى إلى تلطيخ سمعتها وتشويهها، مثلما يشوه أي نابغة في أي مجال وأي زمن وأي مكان.

اقرأ أيضًا 
تمثال هيباتيا في العاصمة الإدارية “لماذا تأخر تبرئة الكنيسة المصرية من قتل الفيلسوفة”

افتتحت سافو مدرسة لتعليم الفتيات فنون الشعر والرقص والموسيقى والغناء واللباقة والسلوك المهذب، وتدريب الفتيات على آداب اللياقة والأناقة، وأشركتهن في حفلات الزفاف وفي مسابقات الجمال التي كانت تُقام تكريمًا لأفروديت، (كانت تلك المعاهد رائجة في ذلك الوقت)، فأتُهمت بالشذوذ لما كان يربطها بطالبات المدرسة من علاقات حب وعواطف قوية، ومن هنا أُدينت وظهرت شائعات أنها تمارس الشذوذ مع طالبات مدرستها، برغم زواجها من رجل ثري يدعي سوكولاس، وإنجابها بنتا.

مدحها أفلاطون بقوله :”يقولون إنه يوجد تسع موزيات، هذا استهتارٌ! انظروا سافو من ليسبوس هي العاشرة” ،. (والموزيات هن تسع آلهات شقيقات ترعين الفنون والآداب)، كما قال الشاعر الروماني أوفيد عنها: ” ماذا علّمت سافو فتياتها سوى أن يمزجن الحب بالنبيذ؟ و ماذا عَلّمت سافو من ليسبوس الفتيات سوى الحب؟”
كانت سافو من أهل مدينة ليسبوس اليونانية، وانتقلت الكلمة فأصبحت “ليسبيان” في اللغات الأوروبية وقد كان هذا أساس انتقال الكلمة، الفهم الخاطئ لعلاقة سافو بطالبتها.

سافو التي تفوقت على شعراء زمانها فاتهموها بالشذوذ !!.

مرر لي طبق الترمس كده إحيات أبوك، فأنت تأكل وحدك من ساعة ما قعدنا…
“عندما تمرُ أيها الغريبُ على المقابر لا تقل إنني شاعرة ميتةٌ، لكن إذا حكمتم عليّ من قبل الموزيات التسع اللائي مُنحت كلاً منهن زهرة فأنتم تدركون تماما أنني قد هربت من عالم الموتى، ولن يشرقَ يوم أبدا دون أن يُذكرَ فيه إسمُ سافو الشاعرة الغنائية”….”أما أولئك المنفيون فسيجدون عنتاً في تحملك أيها السلام”… “الآن غاب القمر وكذلك الكواكب السبعة انتصف الليل، زمن الانتظار فات وأنا أنام وحدى”….. “في مستقبل ما سيفكر بنا أحدٌ ما”.
هكذا كتبت سافو، تلك المرأة التي أحبها، والتي أفكر بها وأذكرها كما تنبأت، والتي أرجو أن تُخلد في عمل سينمائي يحمل اسمها مثل هيباتيا، سافو تلك العظيمة التي مجدت الأنوثة، وخشيها رجال عصرها، وأخافت المؤرخين بجرأتها..

إقرأ أيضا

يغير الروح ويبرز الإنسانية.. “الشهاوي” عن ديوان الشعر المصري

انتقلت لصقلية وماتت منتحرة بحسب ما وصل من المؤرخين وأُحرقت جثتها ونُقل رمادها لبلدها.
وصل عدد كتبها لتسع كتب، إحتوى الكتاب الأول على ألف وثلاثمائة وعشرين بيتا، فُقِدت كلها مع حلول القرن الثامن والتاسع الميلادي، ثم أمرت الكنيسة بإحراقها كلها في عام 1073 ميلادية، وفي عام 1898 تم العثور على مقتطفات مكتوبة على أوراق البردي، فلم يبق من كتبها وأشعارها سوى مقتطفات وقصيدة كاملة لأفروديت، حفظها الناس في قلوبهم ورددوها في وجدانهم، وألهمت الشعراء والفنانين، وخلد اليونانيون إسمها برسم صورتها على الآنية والعملات تقديرًا لها وتخليدًا لذكراها.
إنتهت القصة بإنتهاء طبق الترمس الذي أكلت أنت ثلاثة أرباعه، والذي كنت أنوي تحضيره لشم النسيم، ولكن مش مهم فداك، سوف أحضّر غيره، وسوف أعزمك على أطباق مُسليات أخرى وأنا أقص عليك قصص أخرى لشخصيات أخرى من كتب أخرى…..
فإلى لقاء..