رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
123   مشاهدة  

مسلسل صلة رحم.. من رحم الأم البديلة والإجهاض ولدت الدراما!

مسلسل صلة رحم


بين العديد من الموضوعات التي ظهرت في النص الأول من دراما رمضان هذا العام، كان لافت للنظر بشدة تناول قضية مثل “تأجير الأرحام” أو بمفهومها الأدق “الرحم البديل” حيث تحمل المرأة (الأم البديلة) في رحمها جنين الزوجين اللذين ليسا قادرين على إنجاب الطفل بالطرق المألوفة.

بطريقة آمنة ومتفق عليها بين كافة الأطراف، وعادة ما تحدث تلك العملية بضمان الآمان والحماية للأم البديلة في معظم أنحاء العالم، بينما في مجتمعنا المصري مازال هناك أقاويل بين تحريمات دينية ومخاوف اجتماعية، وبالتالي عند التوجه لطرح مثل هذه القضية داخل الدراما المصرية، كان لابد من الحرص في إطار ذلك التعامل، ليس على المستويين الديني  والأخلاقي وحدهما فحسب، ولكن أيضًا على مستوى مشاعر ودوافع الشخصيات غير المعتادة على ذلك.

بنى مسلسل صلة رحم من تأليف “محمد هشام عُبية“، وإخراج “تامر نادي” درامته كاملة، على تلك الغرائبية في استقبال  مثل هذا المقترح من قِبل البطل “الدكتور حسام/ إياد نصار” والرفض الذي يواجهه في البداية من كافة المحيطين، بل وتأسست الحلقات الأولى على  محاولة فهم طبيعة الموقف، وكأنه تمهيد للمُشاهد المصري كما هو تمهيد للشخصيات الدرامية داخل العمل، بالإجابة على كافة الأسئلة التي من الممكن أن تطرأ على الذهن فور سماع الأمر.

ثم شرع مسلسل صلة رحم في الغوص داخل التفاصيل النفسية لكل شخصية على حدة، حاول العمل بكل أدواته أن يتخلص من عقدة الإدانة الدينية والمجتمعية، حتى في مشهد “ظهور الشيخ خالد الجندي” بصفته إجابة دينية تحرم الفعل، لكن لم يؤخذ بها، للاستمرار في النبش داخل النفس البشرية.

YouTube player

فالبطل الزوج بصفته متسببًا في حادث فقدان الزوجة “ليلى/ يسرا اللوزي” جنينها ورحمها، يسعى بكل قوته لتعويض الطفل المفقود، وتلك المشاعر المتخبطة لكل أم (الأم صاحبة البويضات/ ليلى) و(الأم ذات الرحم البديل/ حنان/ أسماء أبو اليزيد)

ومشاعر الأمومة المتخبطة بين رفض وجود الطفل والحنين له من قِبل ليلى، وموافقة حنان على تلك الصفقة بسبب احتياجها للأموال ثم شعورها بجزء من أمومتها مع فترة الحمل، مع مراعاة مثل تلك المشاعر المكتسبة داخل المجتمع المصري من ثوابت نحو غريزة الأمومة وهكذا..

YouTube player

ولكن تزداد العقدة الدرامية في مسلسل صلة رحم عند بزوغ أكثر من جانب آخر للشخصيات، فحنان فقط لم توافق على صفقتها بسبب الأموال، بل لافتقادها الأمان من الأساس، فقدان وصل بها في لحظات لتصديق أن الطفل جنينها وأن الأب زوجها وحبيبها، وكذلك حسام وسعيه لتعويض ليلى، الذي يكشف فيما بعد عن جوانب أعمق نحو رحلته الكاملة في التحرر من شعوره بالذنب، ذلك الشعور الذي سيطر عليه منذ طفولته “في مشهد مواجهة مع والدته يصارحها فيه أنها ألقت على عاتقه ذنب عدم زواجها بعد وفاة والده وتفرغها التام له، وعدم الالتفات لنفسها ولشبابها” فيلهث حسام بكل ما في وسعه للتخلص من عقدة الذنب التي يرفض وبشدة ومهما كان الثمن أن يعيشها مرة أخرى مع زوجته.

افتقدت شخصية ليلى ذلك الرسم المتعمق الذي من المفترض أن يتوافق مع تلك الأبعاد المذكورة للشخصيات المقابلة لها في مثلث العلاقات الشهير، فتفتحت بعض الخطوط لها التي ألقت بدلالة لم تكتمل..

على سبيل المثال صداقتها بشاب مخادع في لحظات تخبط، وتناولها لجرعات كبيرة من المهدئ، غير المجدي بشكل واضح في الخط الدرامي الأساسي، وكذلك من مرحلة الرفض التام لوجود الطفل، ثم الموافقة على وجوده ومصادقة حنان، ربما جميعها خطوط كانت تحتاج لبراح أكبر في الكتابة، لظهور الدوافع ومراحل تحول الشخصية، بصفتها على الأخص “الأم” والمسؤولة عن وجود الطفل، لم يأخذ رفضها أسبابه الكافية، وكذلك مرحلة تخبطها، وأيضًا مرحلة الموافقة، مقارنة بالوقت الكافي والرسم الدقيق لشخصية حسام في كافة مراحلها، وكذلك موقف عائلتها من زوجها وبالأخص شقيقها “زياد” الآخذ لموقف الضد الدائم من حسام، دون تبرير ذلك بالقدر المطلوب وكأنها عداوة ربانية دون إبداء أسباب واضحة، ومثلما لم تنتبه الكتابة لبعض الشخصيات ودافعها بالقدر المحتمل، لزيادة عقدة الدراما، خلق الكاتب بعض الشخصيات ثم أهملها دون أن يتتبع مصيرها، كشخصية “مصطفى” الذي عاون حسام في تهريب البويضات من المستشفى، ثم صارح ليلى بالسر، ثم اختفى بعد ذلك للأبد، وكأن حكايته وشعوره بالذنب وجد ليزيد من عقدة الحدث، ليس بكونه شخصية لابد من معرفتها جيدًا بصفتها جزء مؤثر في الحدث. وكذلك خط الزواج السابق لحسام وطفله الذي بلوره العمل في البداية على خلفية هاتف حسام، بينما لم يستغله فيما بعد داخل الأحداث، ولم تم حذف هذا الخط تمامًا لم يتأثر الحدث الرئيسي بشيء، وكذلك بناء شخصية البطل ودوافعه.

كما ظهرت مجموعة من المواقف قدمت أحداثًا محورية في مسلسل صلة رحم لكن أساسها مبني على الصدف المتكررة، منذ بداية العمل وتوافق حدث إجهاض ليلى مع تواجد حسام عند جيهان، وقراره السريع في الذهاب لها بعد الرفض السابق المستمر، وكذلك صدفة اكتشاف الشيخ جابر/ عمرو القاضي، حقيقة زوجته سهام/ هبة عبدالغني عن طريق سماع مكالمتها الهاتفية، التي لو تربت على مراقبة وتتبع منه بسبب شكه المسبق فيها لتماسك الحدث أكثر وأصبح ذات منطق.

انشغل العمل أكثر بالقضايا وهمه نحو الخروج من مأزق الإدانة والتحريم، لكن ذلك طغى بالسلب على إغفال بعض العناصر في ظل ذلك الانشغال، وهذا يعود لسيطرة فكرة على تحريك الحدث، أكثر من سيطرة الشخصيات بذواتهم في تصاعد الحدث وعقدته، ويظهر ذلك في جانب آخر لشخصية “الدكتور خالد/ محمد جمعة” وقضية موازية للرحم البديل تكمن في “الإجهاض” لا يختلف سياقها عما سبقها من دراية ووعي تام باستقبالها في مجتمع العمل، والانشغال ذاته، والموقف من التحريم والمشاعر الإنسانية وخلافه، فهو نفس النهج، بصفتهما عمودان أساسيان للعمل، تتولد من رحمهما الشخصيات لتتشابك “وربما تلك الأعمدة وتلك الولادة المجازية هي الولادة الوحيدة الموجودة بالعمل، بجانب الولادة الأخيرة لآدم”.

إقرأ أيضا
الزمالك
YouTube player

ظهر “الإجهاض” مصاحب لشخصية الدكتور خالد، بتدرج حالات الإجهاض داخل المسلسل، الذي بدأ بإجهاض “نورا/ صديقة حنان” ثم إجهاض ليلى، والكشف عن إجهاض سابق لبداية الأحداث لـ حنان ذاتها وبمحض إرادتها بسبب هدفها في التخلص من الزوج المعنف لها وكذلك نبتته في رحمها، علاوة على الإجهاض الأخير للفتاة العاملة بالجنس “ريكو” جميعها حالات إجهاض بمحض إرادة السيدات، بخلاف ليلى، متعددة الأسباب والفعل واحد، والطفل الوحيد الآتى في هذه الدنيا هو “آدم” طفل الرحم البديل، الذي بتتبع رحلة حسام تنكشف أنه خاض كافة مصاعب الدنيا حتى الأخطاء منها مثل “القتل” كي يأتي آدم للحياة، وذلك بما يحمله أسم آدم من دلالات لقدوم نسل جديد للدنيا، وما سبق وجوده من بعض الخطايا، وما سيعقب وجوده من خطايا أكبر بالتأكيد، لم تنته حتى بموت حسام، فهو لم يمت بصفته مذنبًا، بل بصفته أنهى بشكل كبير داخل سياق رحلته ربما أهم وأكثر المواقف التي من الممكن أن يعيشها الإنسان على مدار عمر كامل، قضاها حسام في حوالي ٩ أشهر “مدة الحمل” في تداخل قوي بين كافة المشاعر، كذلك العوالم وأيضًا الأشخاص، ويظهر ذلك بقوة في  تخبطات شخصية حسام في، وكأنه شخص يعيش مجموعة من التفاصيل الكثيرة داخل لحظة واحدة، لابد أن تنتهي حياته إلى هذا الحد لأنه خاض كل ما يمكن أن يخوضه أي إنسان داخل هذه الحياة وأنهاه، فموته لم يكن بعقاب لأنه كما تم الاتفاق أن العمل غير معني بالثواب والعقاب بقدر همه الأكبر في خلط المشاعر الإنسانية.

ومنها فـ”الدكتور خالد” هو المسؤول عن خط الإجهاض، قدمه المسلسل، بصفته مدركًا بشدة مدى خطأه، فهو يقيم عملياته في الخفاء، ويتحايل بالألفاظ ويبتز حسام من البداية للتستر عليه، دون إبداء أي مبدأ في ذلك، ثم يقفز به العمل ليضعه في النهاية في موضع الشخصية صاحبة المبدأ القوي، على الرغم من أن مشهد التحقيق معه يحمل بعدين، الأول منها: تلك الندية التي تعامل بها مع المُحقق والتي تحسب جرأة وشجاعة بالغة من قِبل الكاتب في صياغة حوار كهذا، فضلًا عن عنصر الإخراج ومصادر الإضاءة التي تحيط خالد وتظهره في هذه اللقطة وكأنه شخص عفيف منزه صاحب حجة قوية وإنسانية، والثاني منها: هي تلك الخطابية التي تعامل بها الكاتب مع مونولوج خالد في الدفاع عن مبدأه، ولكن، بما أن مثل تلك الأفكار لهي بمثابة صدمة مجتمعية داخل الدراما حاليًا، فالأمر يحتمل ذلك، أما ما لا يحتمله حقًا هو ذلك الثبات على المبدأ والدفاع عنه، وهو من البدابة لم يؤسس للشخصية بصفتها صاحبة ذلك المبدأ الإنساني في إنقاذ حياة الفتيات بالقدر الكافي، وأخيرًا اللبس بين صيغة السلطوية التي تعامل بها الطبيب بصفته منقذًا لحيوات هؤلاء الفتيات، بل ويختار من منهن الأجدر وتستحق الحياة ومن لا تستحق، ولكن يبقى لتلك السلطوية فائدتها في تشكيلها جبهتين سلطويتين في ندية حقيقية “راس براس” بين المُحقق والطبيب، وهذا في رسم المشهد يحسب ذكاء، رغم ما يتضمنه من تفاصيل أخرى.

وأخيرًا يعتبر مسلسل صلة رحم ورغم بعض التخبطات الدرامية به التي كانت تحتاج لمزيد من التفاصيل والتدقيق، من أفضل أعمال هذا العام، تعامل مع الأمر وفي حدود البيئة المطروحة فيه بذكاء إلى حد كبير، ولكن يبقى السؤال، ماذا لو كان المحرك الرئيسي للأحداث التي تتحدث عن أرحام السيدات “سيدة وليست رجل” بصفته هم نسائي بالأساس، بالطبع كان سيظهر عمل آخر تمامًا، ولكننا نحتاج فيما بعد لمزيد من الشجاعة قبل التفكير في طرح القضايا، وطريقة تقديمها، بطرح تساؤل من الأجدر بقيادة مثل هذه المشاعر، من الأجدر برسم تفاصيله والتركيز مع دوافعه أكثر، وإلى أي مدى سيصل الأمر إذا تحققت تلك الأطروحة؟

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان