رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
100   مشاهدة  

“شواهد مصر”.. أنتجهُ المُتيمون بالتراث المصري العريق

شواهد مصر


في النسخة الثانية لمسابقة الأفلام القصيرة “حكاية أثر” والتي تحمل شعار “شباب عربي من أجل التراث” فاز الفيلم المصري القصير “شواهد مصر” من بين عدد كبير من المشاركات بلغ 310 مشاركة تنتمى لـ18 دولة عربية، وأُقيمت المسابقة بالتعاون المشترك بين المركز العربي الإقليمي للتراث العالمي بمملكة البحرين مع هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية، وتحت رعاية منظمة اليونسكو.

يحمل الفيلم اسم “شواهد مصر” حيث أُنتج من قِبل فريق مبادرة “شواهد مصر”، التي تسعى جاهدة لإنقاذ التاريخ المصري العريق منذ 2021 بعد حملات الإزالة الممنهجة لعدد من المقابر التاريخية بالقاهرة القديمة، المُبهر في الفيلم أنه في غضون خمسة دقائق فقط تمكن القائمون على الفيلم من أخذ المُشاهد لجولة ممتعة في شوارع القاهرة التاريخية بشكلٍ خرافي محاولين إبزار شتى الجوانب التي تشعرك بعبق مصر ما بين أزقتها وملامح شعبها وآثارها وطعامها الشعبي مع دمج رائع بين صور حية من قلب الشارع المصري ومجموعة من الصوتيات والأغاني القديمة التي تسترق خيالك إلى الماضي.

تجمع أثري ضخم

بدايةً جذب الفيلم انتباه المشاهد بمقتطفات من الإذاعة المصرية من خلال صوت رأس الساعة من “إذاعة جمهورية مصر العربية”، ثم يطربك بصوت الست “أم كلثوم” مع أغنية “يا صباح الخير يا اللي معانا”، واعتمد الفيلم على أربعة لقاءات مع شخصيات مُتيمة بالتراث المصري، أولهم “مصطفي الصادق” أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية طب القصر العيني والمهتم بتاريخ وتراث مصر، والذي عبر عن صعوبة العثور على بلد من البلدان كمصرنا الحبيبة حيث تحظى القاهرة التاريخية وحدها بكمٍ خرافي من الآثار الإسلامية، وهذا التجمع الأثري العظيم يعبر عن تاريخ شامخ لحقبات زمنية مختلفة لها فنها وعِمارتها المميزة، وضرب “الصادق” أمثلة لعددٍ من الأماكن التاريخية كشارع الصليبة، وشارع المعز الذي يحتوي على تاريخ يعود لألف عام مرورًا بالعصر الفاطمي إلى حكم أسرة محمد علي، وكذلك الكثير من الآثار من باب النصر إلى منطقة السيدة نفيسة.

 

الخيامية والمحمل المصري

فن الخيامية من بين الفنون التي اشتهرت بها مصر قديمًا ولا زالت، وهذا الفن كان جزءًا لا يتجزأ من صنع كسوة الكعبة المشرفة والتي كانت تقوم مصر بصناعتها منذ عهد شجرة الدر إلى عام 1962م، ومن شارع الخيامية حكى الحاج “أشرف هاشم” فنان خيامية وأحد أفراد العائلة المصنعة للكسوة، عن ذكرياته في صنعها قائلًا: “كنا بنشتغل فيها طول السنة.. وكان في عمال مهرة معينين هما اللي بيشتغلوا في الكسوة.. الناس اللي عندهم خبرة وعندهم حب للمهنة وعندهم تذوق فني”، ثم قصَّ “هاشم” ما كان يحدث عندما يأتي معاد تسليم الكسوة حيث كانت تُحمل على ظهر جمل “المحمل”، ويلف شوارع القاهرة احتفالًا بنول هذا الشرف وبعدها يتم تصديرها إلى المملكة العربية السعودية، وحرص منفذوا الفيلم على عرض فيديوهات تعود لمئات السنين تظهر مراسم تسليم الكسوة والموكب المكلف بذلك من بينه الهودج المحمل على ظهر الجمل الحامل للكسوة، وصورًا عتيقة لموكب المحمل المصري في جبل عرفات.

 

عمارة عريقة تأثرت بها الثقافة اليونانية والرومانية

ومن بين الصوتيات الفريدة التي استخدمها الفيلم لأسر قلوب المشاهدين، ابتهال “مصر الكنانة ما هانت على أحدٍ، الله يحرسها عطفًا ويرعاها” للمبتهل صاحب الحنجرة الذهبية “النقشبندي”، وللمعمارين يد طولى في هذا الإرث والحفاظ عليه لذا كان اللقاء الثالث مع المهندس “صلاح الدين أبو ليل” المهندس المعماري، وروى عن علاقته بالعمارة وخاصة مسجد ابن طولون منذ 30 سنة “لما كنت طالب في سنة أولى عمارة، دكتور مادة تاريخ العمارة طلب مني بحث عن جامع ابن طولون، وكنت أول مرة أجي المكان ده اللي انبهرت بمساحته الكبيرة وأبعاده الهايلة”، وهو ما دفع “أبو ليل” لإجراء دراسة دقيقة للجامع من سمك الأعمدة ومساحة الصحن وأبعاد المنبر وارتفاع الجدران، وتساءل مستعجبًا “فين تلاقي مكان بالعظمة دي!”، بعد أن توصل من خلال دراسته إلى أن مسجد ابن طولون المبني من 1150 سنة أُنشيء على مساحة 6.5 فدان أي ما يقارب 26 ألف متر تقريبًا، وقد بناه القبطي “سعيد بن كاتب الفرغاني” على جبل مليء بالأساطير ويتميز بقبة ومنبر على الطراز المملوكي.

العمارة في مصر لها شخصية مركبة فريدة، حسبما أشار “أبو ليل” مؤكدًا على تأثر العمارة باختلاف العصور والثقافات فاليونانين والرومان على سبيل المثال متأثرين بالمصريين القدماء ويُرى ذلك بوضوح في أعمدة الكنائس، كما تداخلت الثقافات في العمارة الإسلامية كما نرى في المساجد هناك تداخل بين الطراز الفاطمي والأيوبي والعثماني، وكل هذا ينم عن تاريخ عريق بكل المقاييس، ومن وجهة نظري أن مخرج “شواهد مصر” وُفق في الدلالة على الاندماج مستخدمًا الدمج بين مشاهد الشموع بالكنائس وقناديل المصابيح بالمساجد، فهو دمج حمل عددًا لا نهائيًا من الدلالات في مقدمتها الاندماج في مصر الذي صنع نوعًا من الوحدة.

من أين نشأت فكرة “شواهد مصر”؟

ولأن فيلم “شواهد مصر” من إنتاج المبادرة التي تحمل نفس الاسم، كان لزامًا أن يحتوي الفيلم على لقاء مع مؤسس المبادرة “حسام عبد العظيم” والذي تحدث عن بداية الفكرة عام 2020 عندما شاهد صورة انتشرت على السوشيال ميديا لقبة أثرية تعود لأكثر من 900 سنة في العصر الفاطمي، لكن ما أثار حزنه هو إهمالها بشكل مخزي حتى امتلأت بأكوام من القمامة، ما جعله يفكر في طريقة يساعد بها في تنظيف هذه الآثار والحفاظ عليها؛ لذا قدم “عبد العظيم” الفكرة لوزارة السياحة والآثار بشكلٍ رسمي.

وحققت المبادرة نجاحًا يستحق التقدير حيث تمكنت من تنظيف ما يقرب من 11 أثر حتى الآن، أما عن فريق المبادرة تحدث “عبد العظيم” قائلًا: “كلنا من محافظات مختلفة وتخصصات مختلفة مفيش فينا حد تخصصه زي التاني، لكن اللي بيجمعنا هدف واحد هو الحفاظ على التراث، وبنحافظ عليه بأننا نحميه وننضفه”.

إقرأ أيضا
بدء الخلق

القاهرة وهوية مصر

احتوى الفيلم على عديد من المشاهد التي تكشف عن هوية مصر وآثارها دمجت مع صوت المتحدثين أو الانتقالات بين الأربع لقاءات، كمسجد الحسين وقلعة صلاح الدين والجامع الأزهر والعديد من المآذن والقبب المزخرفة بالمساجد العتيقة، ومشاهد لبعض الحِرف الأصيلة بها كحرفة الزجاج المعشق والنقش على النحاس.

الهدف من الفيلم نشر تاريخ القاهرة التاريخية والتعريف به، لذا حرص القائمون على الفيلم بوضع تنويه في آخره مكتوبًا فيه “أثناء تصوير هذا الفيلم كانت القاهرة تحتفل بعيد ميلادها، وذلك بمرور 1051 على إنشاءها، فكلُ عام وهي مميزة وفريدة”.

كما فازت عددًا من الأفلام المشاركة من دولٍ عربية أخرى، كفيلم “يامال” مملكة البحرين، وفيلمي “سيمفونية صنعاء القديمة” و “سطل” من الجمهورية اليمنية، ومن العراق فيلم “حارس المملكة السومرية”، وفيلم “أم سنمان” من المملكة العربية السعودية، ومن جمهورية الجزائر الديموقراطية “فيلم تيبازا”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
27
أحزنني
1
أعجبني
19
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
4


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان