همتك نعدل الكفة
374   مشاهدة  

لويس سلوتن.. العالم الذي ألقى بجسده أمام الإشعاعات الذرية ليحمي زملائه

لويس سلوتن


مهما كان عملك شاق وصعب ومجهد، لن يكون بنفس مشقة عمل العلماء والباحثين، فهم قد يقنون حياتهم حرفيًا لاختراع شيء واحد جديد يمكنه تغيير البشرية بأكملها، يواصلون الليل بالنهار، ويسافرون لبلاد بعيدة، وينعزلون عن العالم، حياة صعبة وخطرة، وفي النهاية قد يموت العالم قبل أن يرى نتيجة شقاءه وتعبه، ويكلل مجهوده بالنجاح، وهذا بالضبط ما حدث مع “لويس سلوتن” الذي ضحى بنفسه لينقذ زملائه، وذلك في التجربة الأخيرة لبحث دام سنوات شاقة.

لويس سلوتن

لويس سلوتن

ولد لويس إسكندر سلوتن من أبوين يهوديين ميسوري الحال بمدينة وينيبج في كندا عام ١٩١٢م، والتحق وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره بجامعة مانيتوبا في وينيبج، وحصل على الماجستير قبل أن يتجاوز الحادية والعشرين من عمره، وانقطع بعد ذلك إلى دراسة على الطبيعة بجامعة لندن لمدة أربع سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراه في الفلسفة عام ١٩٣٦م، وفي عام ۱۹۳۷م، طلب منه العالم “ويليام د. هاركنز”، رائد الكيمياء الذرية بجامعة شيكاغو، أن يعاونه في أعماله الخاصة “بالسكلترون” معتذراً في الوقت نفسه عن عدم قدرته على دفع أي مرتب المساعد له. ولكن سلوتن قبل أن يعمل بلا أجر، وقد استمر في عمله مع الأستاذ طيلة سنتين كاملتين لم يتناول أثناء هما أي مرتب أو مكافأة مالية، وكان من نتائج عمله في جامعة شيكاغو أن سمح له بالدخول إلى حي منهاتن مباشرة حيث كان العمل سائر على قدم وساق لمشروع الذرة إبان الحرب في جو من السرية والتكتم الشديد، اشتغل بعد ذلك لفترة من الزمن بشيكاغو، ثم بجامعة أنديانا، ومنها انتقل إلى أوك ردج، وفي أواخر عام ١٩٤٣م، ذهب لمدينة “لوس الاموس” في الوقت الذي شرع فيه تجميع أجزاء أول قنبلة ذرية.

التضحية والمشهد الأخير ونهاية الحلم

لويس سلوتن

قبل وفاته رسم سلوتن المشهد الأخير بدقة شديدة، رسم خريطة موضعية للمعمل موضحًا فيها بكل دقة مكان كل شخص ممن كانوا بالحجرة في ذلك الوقت، وبفضل هذه الخريطة وما رواه الذين كانوا بالمعمل في ذلك الوقت من كتب لهم البقاء، أصبح تصوير المشهد بتفاصيله أمرًا ميسورًا يطابق الواقع كل المطابقة.

لويس سلوتن

حجرة كبيرة مستطيلة مطلية بدهان أبيض، ليس بها من الأثاث سوى مكتب معدني، يتوسط بها على وجه التقريب، ومائدة الصقت إلى أحد جدرانها تحمل أجهزة صانع القنبلة الذرية من أدوات وآلات معقدة التركيب، وكانت شمس الربيع تنفذ في ميل وانحراف جاني إلى الحجرة من خلال نافذتها الكبيرة الوحيدة فتغمرها بالضوء، وكان بالحجرة ثمانية أشخاص، وقد خيم على الجميع سكون لا يشوبه سوى رنین دقات جهاز جيجر، بينما كانت العيون كلها مسلطة على شخص قصير القامة وقد انتصب واقفًا فوق المكتب المعدني، وهو “لويس سلوتن” الذي لا يتجاوز طوله خمسة أقدام ونصف القدم، نحيف الجسم، وكان يضع على عينيه نظارات سميكة ويحدق في هذه اللحظة بإمعان مركز في شيئين فوق المائدة، وهما عبارة عن شطري كرة معدنية، أجوفين، لونهما فضي رمادي وقد أخذ سلوتن في عزم وإصرار يقرب شطري الكرة، أحدهما إلى الآخر بمفك عادي، أما هاتان الكتلتان المعدنيتان فكانتا حرفيًا عبارة عن أمعاء قنبلة ذرية، أو بمعنى أدقّ محتوياتها الداخلية.

لويس سلوتن

إقرأ أيضا
الأفلام الحربية

كان سلوتن يستمع بكل انتباه لدقات عداد جيجر، كما كان يشخص بنظره كثيرًا إلى آلة تسمى “الرقيب البتروني”، وهي تسجل على اسطوانة من الورق في خط أحمر رفيع متموج، الإشعاع المنبعث من الكتلتين المعدنيتين، وكان الخط الأحمر يتصاعد بينما كان سلوتن يحرك الكتلتين في بطء، ودقات عداد جيجر تزداد سرعتها قليلًا كساعة اختلت آلاتها، وفجأة بدأ عداد جيجر يدق على غير هدى، ثم لم يلبث أن كف عن الدق تمامًا، وفي مثل طرفة العين شعر الموجودون بالحجرة، أكثر مما رأوا بالأعين، وهجًا عجيبًا أزرق أقوى من ضوء الشمس، وفي الحال ألقى سلوتن بنفسه إلى الأمام جاذبًا شطري الكرة المعدنية الفتاكة ليباعد بينهما بيديه العاريتين، ولو تريث دقيقة لتحطم كل شيء في المعمل وتحطم معه معهد البحوث كله، ثم انتصب واقفًا، وأدرك أنه في هذه اللحظة قد قطع تذكرة ذهابه للموت، وعلى الفور شرع الرجال الثمانية، بحكم الغريزة في الهرب من المكان، ولكنه صرخ فيهم طالبًا البقاء، ليقيس بجهاز خاص قوة الاشعاع التي تعرض لها كل منهم، فإن معرفة ذلك تساعد الأطباء في علاجهم، وأخبرهم أنهم سوف ينجون جميعًا، فجسده امتص أغلب الإشعاع، وحاول الأطباء انقاذه، ولكن فشلت محاولاتهم.

المصدر

[1]

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان