فنان الشعب مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (10) سيد درويش والمخدرات .. أين الحقيقة ؟
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
انتهينا في الحلقة السابقة عند نتاج فنان الشعب في ميادين القوالب الغنائية المختلفة، وفي هذه الحلقة لجزئية سيد درويش والمخدرات جنبًا إلى جنب مع منهجه وطريقته في التلحين، فهل كان سيد درويش تقليديا تتسم ألحانه بالجمود أم كان يسعى للتطوير والتعديل؟.
منهج سيد درويش الفني
الحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل تحتاج إلى تفصيل، فإذا دققنا النظر في ألحان سيد درويش سنجد أنه اتبع منهجا مميزا في التلحين، صحيح ورد عنه أنه كان يؤلف ألحانا أكثر حداثة وتطورا عن الألحان التي كانت سائدة في عصره وفي العصورالتي سبقته، إلا أن ثمة ثباتا ميز ألحان هذا لرجل، فرغم التطوير والثورة الكبيرة التي أحدثها سيد درويش في الموسيقى والتي تحدثنا عنها من قبل من أنه حول مسار المغنى من مجرد الطرب إلى التعبير عن المشاعر والأحاسيس “وبالمناسبة هو ما تمسك به شيخ الملحنين زكريا أحمد فيما بعد”، إلا أنه تمسك بالشكل القديم في تلحين الموشح وكذلك الطقطوقة، ففي مجال الطقطوقة تمسك الشيخ سيد درويش بالطريقة القديمة التي تبنى على تلحين كل أغصانها بلحن واحد، فتبدو القطعة أكثر سهولة وتقبلا لدى جمهور المستمعين، وبخصوص الموشح فقد لزم الشيخ سيد درويش في تلحينه إياها، الموشح ذا الدورين والخانة والغطاء، وتوضيح ذلك أن تلحين الموشح بهذه الطريقة القديمة يبنى على تشابه ألحان الدور الأول والدور الثاني وكذلك الغطاء وهو خاتمة الموشح، أما الخانة فتكون بلحن مختلف، والخانة هي المقطع الثالث من الموشح.
اقرأ أيضًا
حلقات سلسلة سيد درويش
في مجال تلحين الدور فصحيح قد بنى سيد درويش ألحانه على التطوير الذي حدث قبل عصره، وهذا فيما يتعلق بالشكل أما فيما يتعلق بمضمون اللحن ذاته فقد طوره سيد درويش بطريقه أثبتت له بصمته، فقد قصد سيد درويش أن يخلق ألحانا للدور من مقامات لم تكن مستخدمة في وقته لتلحين الأدوار، كذلك سبق وأن قلنا أن سيد درويش كان قد اتبع طريقة مميزة في تلحين قالب الدور وهي أنه كان يستهل تلحين أدواره بسلطنة المقام المستخدم في التلحين، وكان يمر على كل درجاته الصوتية في الجملة الأولى من المذهب.
سيد درويش والمخدرات .. الحقيقة بين الخطأ الخلط
كثيرا ما يحدث خلط بين فكرة ألحان الشيخ سيد درويش المرتبطة بالمخدرات وبين سلوك الشيخ سيد درويش الشخصي، فالبعض يقول أن الشيخ سيد درويش والمخدرات كانا متلازمين وأن وفاته كانت بسبب جرعة زائدة كان قد تعاطاها، وهذا كلام غير صحيح بالمرة، فقد أقلع الشيخ سيد درويش عن تعاطي المخدرات قبل وفاته بوقت طويل، وباستقراء سيرة فنان الشعب سيد درويش من كتاب السبعة الكبار للدكتور فيكتور سحاب يتضح ذلك:
يقول الدكتور فيكتور سحاب: أن محمد علي حماد كان قد نشر وثيقة بخط يد سيد درويش بتاريخ 18 يوليو 1922م، تضمنت رسالة إلى صديقه حسن القصبجي، وكان قد كتب له في حاشيتها: أملي أن تكون كما أنا اليوم، قاطعت كل شيء لحادثة وقعت أمامي في الخازندار، ولذلك فالاحتمال الأرجح أن سيد درويش كان قد مات بسبب نوبة قلبيه أو اغتيالا لا بالإفراط في تعاطي المخدر، صحيح أن الشيخ سيد درويش كان قد غنى للحشيشة والحشاشين والكوكايين إلا أن جميع ما غناه كان يحض على الإقلاع عن المخدرات وكان يبين مخاطرها ومساوئها من هذه الألحان:ـ
لحن الحشاشين: يا ما شاء الله عالتحفجية من مسرحية رن، وفي آخرها: يحرم علينا شربك يا جوزة روحي وانتي طالقة مالكيش عوزة دي مصر عايزة جماعة فايقين.
لحن الكوكايين: اشمعنى يا نخ الكوكايين كخ: وفيها، تشمه أبيض يطلع اسود…. وآخرتها تربتيتي عالعباسية، حوشيني ياما عالعباسية.
إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى أن الحان سيد درويش في هذه الناحية انما كانت كباقي غنائه لأطياف الشعب المختلفة فكما غنى سيد درويش للعمال والصنايعية و أصحاب الحرف والشيالين وغيرهم غني كذلك للحشاشين والشمامين وغيرهم وذلك لأن سيد درويش إنما خرج من بيئة شعبية بسيطة فكان دائم القرب من أحوال الناس مرتبطا بهم معبرا عنهم في ألحانه وأغانيه التي كتبها.
النتاج المسرحي لفنان الشعب سيد درويش:
يعتبر نتاج فنان الشعب سيد درويش في ميدان الألحان المسرحية نتاجا كبيرا إذا ما قورن بالعمر القصير الذي عاشه وبالنظر كذلك للوقت الذي بدأ فيه بالفعل في التلحين المسرحي، وبالتقريب يمكن أن نقول أن هذا النتاج هو نتاج خمس سنوات فقط أو أقل بقليل إذا اعتبرنا أن البداية الحقيقية كانت عام 1918م بعد عودته من الإسكندرية برفقة جورج ابيض حين أشار عليه الصحافي جورج طنوس بالاستعانة بالشيخ سيد لتلحين مسرحياته وقت كساد البضاعة المسرحية بالقاهرة، على أية حال فقد لحن الشيخ سيد درويش قرابة المئتين وثلاثة وثلاثين لحن مسرحي في ثلاثين رواية مسرحية تراوح عدد الألحان في كل منها بين الاثنين والثمانية عشر لحنا، وقد مثلت ألحان الشيخ سيد درويش في هذا الميدان تطويرا كبيرا على صعيد التلحين المسرحي الذي كان سائدا وقت القباني وفرح وغيرهما والذي بزغ فيه نجم المرحوم الشيخ سلامة حجازي ومن ملامح هذا التطوير أن الشيخ سيد درويش كان أول من وضع القطعة الموسيقية المسماة بالافتتاحية والتي كانت تعزف على المسرح قبل رفع الستار.
ارتبط اسم فنان الشعب سيد درويش في مجال التلحين المسرحي بفكرة نقل الغناء من منطقة التطريب والسلطنة إلى منطقة التعبير والانفعال المرتبط بالنبض الحركي الذي يميز الفن المسرحي وهو ما ظهر بوضوح ف ألحانه المسرحية للفرق المختلفة، وفيما يلي بيانا ببعض الروايات التي لحنها لتلك الفرق:
روايتي: فيروز شاة والهواري لفرقة جورج أبيض
روايات: كله من ده، ولو، إش، قولوا له، رن، العشرة الطيبة، فشر، لفرقة نجيب الريحاني
روايات: هدى، عبد الرحمن الناصر، الدرة اليتيمة ” بعض ألحانها” لفرقة أولاد عكاشة
روايات: ولسه، عقبال عندكم، أحلاهم، قلنا له، مرحب، راحت عليك، اللي فيهم، أم أربعة وأربعين، البربري في الجيش، الهلال، الانتخابات لفرقة علي الكسار
روايات: كلها يومين، كليوباترا، مارك أنطون لفرقة منيرة المهدية
ولفرقته الخاصة لحن سيد درويش مسرحيتي الباروكة وشهرزاد، ولكنه أعاد تقديم العشرة الطيبة، كذلك قدم سيد درويش الطاحونة الحمراء على مسرح البوسفور.
وإلى هنا أعزائي القراء نصل إلى نهاية الحلقة العاشرة، على أن نكمل ما تبقى من رحلة الشيخ سيد درويش في الحلقة الأخيرة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال