رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
493   مشاهدة  

نظرةٌ فإثارةٌ فتحرُّشٌ فاغتصاب!

التحرش الجنسي
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



يبدأ التحرش الجنسي من معنى “معاكسة الإناث”؛ هكذا من حيث كون التحرش الجنسي، في المعجم اللغوي، معناه: إثارة المرأة وإغراؤها للإيقاع بها جنسيا. ومعنى معاكسة المرأة: مغازلتها ومداعبتها في جرأة وتحرش.. (معنيان متصلان)

لكن مهما يكن من أمر فقد كانت المعاكسة في الأزمنة الغابرة تحمل قدرا هائلا من الرومانسية والظرف، ولم تكن تتجاوز كلمات لطيفات قليلات مكررات: يا قمرُ، يا جميلُ، يا غالٍ، ولو فاض الكيل بمن يعاكس امرأة لشدة ملاحتها؛ ربما قال لها، بأدب ما فحواه: يا حلو التثني..

كانت المرأة تتقبل الأمر الواقع، بلا مقاومة تُذكَر، إلى أن يمل الشخص الطفيلي ويمضي إلى حال سبيله، أو تنهره فينصرف، أو تخاف شيئا قليلا فتسرع الخطى مبتعدة هي عن الشخص الذي يحاول استمالتها إليه بمعسول الكلام حتى لا يتزيد أو يتطاول، وغالبا ما كان الشخص يرتدع والموقف ينتهي عند ذلك الحد، لكن لا يجب أن يفوتنا هنا أن قصصا عاطفية ملتهبة كان أساس نشوئها وصمودها وربما تتويجها بالزواج، معاكسة عابرة من تلك المعاكسات.. أي كأن بيت الشعر الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي، من قصيدته خدعوها بقولهم حسناء، يعبر بدقة عن جانب من جوانب تلك الحالة أيامذاك: نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ **** فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ

كانت الموضوع بسيطا نوعا ما حتى تغيرت السنون تغيرا صادما فاق التوقعات التشاؤمية كلها؛ فحل اللفظ البذيء محل البريء وحل العنف محل الرقة.. يمكننا في الحقيقة أن نؤرخ لتحولات كثيرة حدثت في مجتمعنا المصري من خلال موضوع كموضوع التحرش الجنسي والمعاكسة، قد يبدو موضوعا ركيكا لا قيمة له، إلا أنه عميق وليس سطحيا، وكاشف لأبعاد شتى بكل معنى الكلمة، بل قد يكون أقدر من غيره على إيضاح ما كان وما جرى، وكيف كان ما كان؟ وكيف جرى ما جرى؟، ولماذا لم نعد كما كنا؟ ولماذا استسلمنا استسلاما كاملا مهينا لما أرادته لنا عقارب الساعة الزمنية في سيرها إلى الأمام؟؟..

لقد وصلنا إلى اللحظة الراهنة القاسية الملتبسة، اللحظة التي حيرت في تفسيرها الجميع؛ فلم يفلح السياسيون ولا المثقفون ولا الأخصائيون النفسيون ولا الباحثون الاجتماعيون ولا الخبراء الاقتصاديون في تحليلها بشكل مقنع ولا فهمها ولا المصير الذي يمكن أن تفضي إليه، وإن غلبت نزعة سوداوية على أغلبيتهم

للأمانة بإزاء استشراف المستقبل.

لم تعد المعاكسات رومانسية ولا ظريفة بعد أن أضفت عليها الأيام الكئيبة الثقيلة كآبتها وثقلها.. لا يعني هذا أن الماضي كان نقيا في المطلق، مقدار ما يعني هذا “نقاء نسبيا” للماضي عما يشهده الوقت الحالي من الحوادث الكارثية والأخبار المأساوية التي لم يكن أكبر المبشرين بالسوء يتوقع أمثالها.

نعم لم تعد المعاكسات متقبَّلة بأي حال من الأحوال الآن، بل مصدر إزعاج ورعب، والشواهد حاضرة، الشواهد التي هي الجرائم الرهيبة التي وقعت بسبب معاكسة عابرة في طريق ما أو مكان من الأماكن، فإن كانت المعاكسة متصلة المعنى بالتحرش على الدوام كما قلنا من الأول، إلا أنها صارت تحرشا صريحا في حد ذاتها وصارت انتهاكا صارخا للجسد، تعقبه آلام نفسية كبرى، وصارت، وهذا الرصد مهم للغاية، تأكيدا لخلوِّ السنين الحالية من الأيام الطيبة إلا في الندرة.

إن من أسوأ ما وقع، في الفترة الأخيرة بالذات، بعد أن فتح سيرة التحرش الجنسي ما فتحها من الأحداث التي لا تستروح إليها قلوب الودعاء ولا يطمئن إليها الأسوياء من البشر، ولا الذين صحت ضمائرهم فلم تنم وحسنت أخلاقهم فلم ينجح في تلويثها بالقبح المنتشر ملوِّثٌ أيًّا كان.. أقول إن من أسوأ ما وقع أن النخبة نفسها، نخبة الإبداع والثقافة ما أعنيه بالكلام هنا، خان بعضها بعضا وخان الجماهير العريضة التي وثقت فيه؛ فأعلن أكثر من واحد فيها رأيا صادما تماما في كتابة مثيرة للاشمئزاز، نشرها في مقال بصحيفة رجعية أو موقع مظلم، أو على صفحته بالسوشيال ميديا، ذاكرا فيها أحاسيسه الخاصة تجاه الإناث، ومريدا أن يعممها على الرجال بطرق رخيصة ملتوية بائسة، والخلاصة أنهن كائنات للإثارة لا أكثر وأنهن مواعين.. نفس الفكرة التقليدية التي تصف المرأة بالشيطان وتصفها بكل نقيصة ومسبَّة وعار، وتنظر حتى إلى دورتها الشهرية الطبيعية نظرة دونية مفادها أنها دليل لعنة سماوية حاقت بها وبنوعها؛ كأنها ليست إنسانا كامل الأهلية كالرجل (ها قد عدنا إلى خلل جسيم في قضية المساواة من جديد) أو كأنها خلقت نفسها بنفسها على غير إرادة من الله العزيز الحكيم، تعالى علوا كبيرا..

هكذا وحق جلال الله؛ كأن الشِّعر الذ صار معبِّرا بدقة عن حالة اللقاء بين الرجال والنساء، بوقتنا الراهن، شطرا واحدا حادًّا بغيضا لا معبِّر عنها غيره في أدق التفاصيل (بكامل الأسى والأسف): نظرةٌ فإثارةٌ فتحرُّشٌ فاغتصاب!

إقرأ أيضا
العصائر

للتواصل مع الكاتب

abdelraheemtaya67@gmail.com

الكاتب

  • التحرش الجنسي عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان