“جرائم الكيان قبل الاحتلال (1-4)” تجهيز فلسطين للإبادة بدعم دولي [1840م – 1920م]
- وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
- مدخل -
يتوه البحث عن أول شهداء فلسطين لتعدد جرائم الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، إلى جانب أن ثمة أطروحة بدأت في الانتشار مفادها أن المقاومة وراء القتل.
كل ذلك دفعنا عبر موقع الميزان لكتابة تحقيق من 4 أجزاء يعد هو الأول من نوعه من حيث الشكل والتنفيذ وليس الأخير من حيث المضمون، حول بدايات التقتيل في حق الشعب الفلسطيني، بعدما تم حصره في الفترة التي تلت ما قبل نكبة 1948م وما بعدها؛ بالإضافة لنفي الوهم الذي يقول أن المقاومة هي السبب والصحيح أن قتل الفلسطينيين غاية وهدف بلا أي مبرر سوى أنهم أصحاب الأرض.
♦♦♦
كيف بدأ تواجد اليهود في فلسطين ؟ [ يوليو 1840م – يوليو 1917م ]
لم يبدأ وجود اليهود في فلسطين بعد ظهور وعد بلفور عام 1917م ولا حتى من بعد الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل على يد تيودور هرتزل في 29 أغسطس 1897م.
منذ سقوط غرناطة عام 1493م بدأ اليهود في الهجرة إلى بلدان الدولة العثمانية والتي صاروا فيها رعايا يتمتعون بنظام الملة وهكذا حتى عام 1838م.
جاءت أول نبتة لليهود في فلسطين على يد سمسار بورصة لندن موسى مونتيفيوري اليهودي الإيطالي المولود عام 1784م وكان على صلة نسب بعائلة روتشيلد الرأسمالية اليهودية الشهيرة، وبعد اعتزاله العمل السياسي العام سنة 1824م قرر التفرغ لقضايا يهود شرق أوروبا والعالم الإسلامي.
خاض موسى مونتيفيوري على مدار 10 سنوات رحلات متعددة لبلادٍ عربية جمة من أجل دراستها وكانت فلسطين من بينهم التي سافر لها 7 مرات، لتكون هي وبلاد الشام مسرحًا لمشروع وطن اليهود، وقرر في يونيو عام 1838م مقابلة محمد علي باشا في يونيو 1838م بصفته حاكم عام الشام وعرض عليه مشروع توطين اليهود في فلسطين.
كان كامبل الموظف في القنصلية الإنجليزية في الإسكندرية هو الذي ساعد مونتيفيوري في الذهاب إلى بوغوص بك يوسفيان ناظر الخارجية الذي رتب لموسى مونتيفيوري المقابلة مع محمد علي باشا في 14 يوليو عام 1838م.
في كتابه يقظة العام اليهودي، حكى إيلي ليفي أبو عسل نقلاً عن جريدة عن جريدة صفد ماروم في عدد 24 مايو 1839م، تفاصيل مشروع مونتيفيوري الذي عرضه على محمد علي باشا وخلاصته أن يسمح محمد علي باشا بصفته حاكم سوريا العام والتي تتبعها فلسطين لليهود أن يشتروا أي مساحة في فلسطين وسوريا، ولو هناك صعوبة في الشراء فيقوم الباشا بتأجير 100 لـ 200 قرية في فلسطين وسوريا لمدة 50 سنة وتكون معفية من الضرائب في مقابل أن يتم دفع 10 أو 20 % من قيمة الإيجار بالتدريج؛ وأبدى محمد علي باشا موافقة مبدئية على ذلك الكلام.(1)
تعرض مشروع الباشا للتقليص بموجب معاهدة لندن عام 1840م، فلجأ موسى مونتيفيوري إلى رأس الدولة العثمانية مباشرةً وهو السلطان العثماني عبدالمجيد الأول وأقنعه بإعطاء امتيازات لليهود في الجليل وحيفا وتحقق له ذلك.(2)
نشاط موسى مونتيفيوري في الفترة من سنة 1855م حتى 1875م عزز من الوجود اليهودي أكثر في فلسطين، فقد أسس مستشفى ومدرسة واشترى بستان كبير من الحاخام اليهودي يهودا هاليفي ماجوزا ذلك البستان الذي كانت نواة لحي مونتيفيوري في يافا حاليًا، ومع سنة 1866م بدأ بناء مستوطنة مشكنوت شانانيم بعد أن حصل على الأرض من حاكم القدس أحمد آغا العسلي فكان أول مبنى يهودي خارج أسوار القدس القديمة.
ثم جاء سنة 1869م بفرمان تملك الأجانب الصادر من الدولة العثمانية والذي عزز من الهجرة اليهودية لفلسطين ونجح اليهود من خلال هذا الفرمان بتأسيس أول مستوطنة لهم في فلسطين على أرض قرية ملبّس في الغرب الأوسط من فلسطين والتي أطلقوا عليها اسم بتح تِكفا.
ورغم محاولات الدولة العثمانية للحد من الهجرات اليهودية عام 1882م لكن كل هذا ذهب هباءًا فقد كان عددهم حتى العام 1881م قد وصل لـ 22 ألف يهودي وتزايد مطلع القرن العشرين حتى سنة 1904م وصل عددهم إلى 40 ألف يهودي.
في الفترة من سنة 1905م حتى 1907م كان مؤتمر كامبل الذي نص صراحةً على تأسيس وطن لليهود في فلسطين.
وتزايد أكثر مع الربع الأول من القرن العشرين ليصل قبل وعد بلفور في مسودته الأولى خلال شهر يوليو عام 1917م إلى 85 ألف يهودي يمتلكون 418 ألف دونم إلى جانب 44 مستعمرة زراعية.
كماشة بريطانيا للشعب الفلسطيني [يوليو 1917م – بداية 1920م]
وقعت الدولة العثمانية في الخطيئة الكبرى بمشاركتها في الحرب العالمية الأولى عام 1814م، وكان الجميع يدرك أنها إلى زوال، فبدأت بريطانيا بدايةً من يوليو 1917م حتى 4 أكتوبر 1917م في مراسلة الصهاينة بوعدٍ أن يكون لهم وطن في فلسطين التي سيحتلها الإنجليز بعد نهاية الحرب، ثم تحولت المراسلات إلى وعد في 2 نوفمبر 1917م والمشهور بوعد بلفور لصاحبه آرثر بلفور الذي كان قد شارك في مؤتمر كامبل.
انتهت الحرب العالمية الأولى عمليًا عام 1918م وكانت بريطانيا قد استلمت القدس في ديسمبر 1917م ودخلت فلسطين تحت الحكم البريطاني في 19 إبريل 1920م بمؤتمر سان ريمو ومع يوم 24 إبريل 1920م دخلت الوعد لمرحلة التنفيذ وتبدأ نواة جرائم الكيان الصهيوني.
الطريق لقتل شعب فلسطين [27 فبراير – نهاية مارس 1920م]
في يوليو 1920م وصلت هربرت صامويل كأول مندوب سامي لفلسطين وكانت أول مشاريعه الشروع لتأسيس دولة لليهود في فلسطين وذلك في نص رسالة ملك بريطانيا لشعب فلسطين ثم صارت اللغة العبرية لغة رسمية في السجلات الفلسطينية مع العربية والإنجليزية؛ وهذه الجهود الأوروبية الرامية لإقامة دولة للصهاينة في فلسطين استفزت الشعب الفلسطيني فعبر عن رفضه سلميًا وذلك عن طريق المظاهرات السلمية؛ تلك المظاهرات التي رفضها ملك بريطانيا وهدد بسحقها في رسالة كانت لاحقًا سندًا كافيًا لكل جرائم الكيان والتي طالت فيما بعد بريطانيا نفسها – كما سيتضح ذلك في حينه -.
في 27 فبراير عام 1920م كانت المظاهرة الفلسطينية الأولى ضد جعل وطن لليهود بفلسطين، وبدأت بإضراب عام ومن أمام مركز الجمعية الإسلامية المسيحية في يافا شارك 10 آلاف فلسطيني وقدموا عريضةً للحاكم العسكري الإنجليزي احتجاجًا على فكرة وطن اليهود بفلسطين.
كان الصهاينة يدركون خطورة هذه المظاهرة خصوصًا أن قادتها قد راسلوا بالتلغراف مجموعة من الصحف العربية مثل الأهرام والمقطم في مصر، وكذلك شركتي روتر وهافاس التي كان لهما وجود في الإعلام الأوروبي، فقام الصهاينة عبر جريدتهم فلسطين ويكلي التي كانت نسخة ثانية من جريدة الدوار هايوم وتصدر في لندن بشكل أسبوعي، بنشر أخبار كاذبة للرأي العام البريطاني حول تلك المظاهرة، فجعلوا عدد المتظاهرين 600 بدلاً من 10 آلاف وكلهم لا يمثلوا المقدسيين وإنما موظفي المصاريف ومأموري الإدارات وأراد الصهاينة بذلك أن يحولوا المظاهرة إلى اعتراض على سياسة انجلترا كنظام، وفي ذلك تمهيد لبدء جرائم الكيان.(3)
كانت المظاهرة الثانية من شعب فلسطين في 8 مارس 1920م بمشاركة المسلمين والمسيحيين وقدموا احتجاجًا إلى قناصل إسبانيا وإيطاليا وأمريكا واليونان.
قبل المظاهرة الثانية بأسبوع وقعت معركة قرية تل حاي في منطقة الجليل الشمالي بين يهود مستوطنة تل حاي الصهيونية ومجموعة لبنانين من جبل عامل والذين جائوا للمستوطنة بهدف البحث عن جنود فرنسيين مخبئين فيها، وقد انتهت تلك المعركة بقتل جوزيف ترومبلدورف اليهودي الروسي وأحد منظمي فيلق صهيوني ومعه 7 صهاينة فيما قُتِل 5 من اللبنانيين.
وحاولت الصحف الصهيونية إضفاء صفة الإرهاب على المظاهرة الثانية فكتبت جريدة الدوار هايوم العبرية في القدس تعليقًا على المظاهرة «لقد قام خصومنا السياسيين بمظاهرتهم ضدنا ونحن إزاء هذا العمل نقول لهم كلمة واحدة من أقوى وأفعل كلمة عرفناها هي رنة الأسى والحزن: تمبلدورف.
حينها علق محرر جريدة الأخبار الصادرة في يافا على تلك الكلمة ساخرًا «لعلها (يقصد الجريدة العبرية) بقولها هذه الكلمة أن تفهمنا أن دمه علينا وأن لهم ثأر عندنا، فمن هو أيها السادة تمبلدورف؟ وأي دخل له في هذه المظاهرة ؟ لا شك أنه أحد الستة الذين قُتِلوا في المطلة (بلدة في فلسطين تبعد عن حدود لبنان 3 أميال) وليس هو مسيح آخر».(4)
بين المظاهرتين قام المستوطينين الصهاينة بسلسلة من الاستفزازات كانت نواة جرائم الكيان قبل الاحتلال فاعتدى 3 من جنود المنظمات العسكرية الصهيونية بضرب شاب فلسطيني من حي المنشية في مطلع مارس 1920م، وفي 10 من نفس الشهر والعام قام مستوطن آخر بالاعتداء على دكان مواطن فلسطيني هو الحاج بقاء البخارلي؛ وكانت سلطات بريطانيا كحاكمة لتلك المنطقة قد ذهبت بالجرحى للمستشفيات وألقت القبض على المعتدين.(5)
بالتزامن مع هذه الاستفزازات التي مهدت طريق جرائم الكيان الصهيوني كانت لجنة ملنر التي يترأسها اللورد الفريد ملنر وزير المستعمرات وزارت مصر في 22 سبتمبر 1919م قد أنهت زيارتها للقاهرة المتعلقة بفحص أسباب ثورة 1919م؛ وغادرت بفشلٍ ذريع في 6 مارس 1920م، فطلبت الجمعية الإسلامية المسيحية من ملنر أن يزور يافا ويبلغوه بالحالة الراهنة في فلسطين لكنه تحجج بضيق الوقت فلم يحضر.(6)
كان الصهاينة في تلك الفترة داخل فلسطين بين 1907م وحتى سنة 1920م قد أسسوا مجموعة من المنظمات العسكرية السرية هي بارجيورا وهاشومير والفيلق والبغالة والهاغاناه؛ وهي التي قامت بكل جرائم الكيان الصهيوني قبل قيام دولته المزعومة، وجميعها تشكلت تحت عين بريطانيا وبدعمها، وكانت وظيفتها المعلنة هي حماية الأراضي الزراعية في مستعمراتهم، وعبثًا حاول الشعب الفلسطيني أن يأخذ نفس الامتيازات العسكرية لكن بريطانيا رفضت(7)، فكان ذلك إيذانًا ببدء نزيف الفلسطيني على يد الإجرام الصهيوني.
(يُتْبَع)
في الجزء الثاني من التحقيق تقرأ :-
- منهجية القتل الصهيوني للشعب الفلسطيني في 1920م و 1921م.
- من هم أول شهداء فلسطين الذين ارتقوا على يد الصهاينة ؟.
- بريطانيا تدعم توجه قتل الفلسطينيين والإعدام لمن يقاوم.
(1) إيلي ليفي أبو عسل، يقظة العالم اليهودي، ط/1، (د.ن)، القاهرة، 1934م، ص ص146–171.
(2) عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، م6، ج4، ط/1، دار الشروق، القاهرة، 1999م، ص177.
(3) محرر، جريدة الأخبار (يافا)، عدد 1008، يوم 19 مارس 1920م، ص1.
(4) المرجع السابق، عدد 1006، يوم 12 مارس 1920م، ص3.
(5) المرجع السابق، ص1.
(6) المرجع السابق، عدد 1008، يوم 19 مارس 1920م، ص3.
(7) المرجع السابق، عدد 1007، يوم 16 مارس 1920م، ص3.
الكاتب
- وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال