رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
129   مشاهدة  

الجندي سيد زكريا .. العالم كله ضدك .. وأنا ضد العالم !

سيد زكريا
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



عند لحظة منطقية يفقد الإنسان ثقته في قدرته أمام حشد هائل من القدرات التي تقف في طريقه .. عند لحظة معينة يقول الإنسان بينه وبين نفسه “عملت اللي عليّا وآن أوان الاستسلام” .. يعجز الحلم عند الاصطدام بأزمة الواقع المرير، ونقرر أن نتجرّع مرارة الاستسلام على الغرق في بحر النصر المعسول .. عند لحظة ينظر الإنسان لنفسه في المرآة ويقول “خلاص” .. واسألوا عبد الحليم حافظ عندما طلب منه أحد قيادات الضباط الأحرار الاعتذار لأم كلثوم بعد موقف الحفل الشهير الذي جمعهما، وأصرَّ عبد الحليم الشاب المتهور الحالم بتكوين شخصيته الخاصة ألا يعتذر لهرم مصر الرابع أم كلثوم، ثم بعد ستة أشهر ذهب بقدميه إليها واعتذر ! فالواقع حوت يبتلع الحلم وأصحابه .. إلّا من شخص قال مرددًا مقولة البابا أثناسيوس عندما قالوا له “العالم كله ضدك .. ملوك ومعلمين وشعوب وقوات” .. فرد بكل بساطة : “وأنا ضد العالم !”

 

جسور الدبابات في حرب أكتوبر المجيدة
جسور الدبابات في حرب أكتوبر المجيدة

ماذا ستفعل في هذه الورطة يا سيد؟ .. لم يكن في رأس جندي الصاعقة المصري سيد زكريا إلا هذا السؤال .. حشد هائل من الضباط الإسرائليين في مواجهة ضارية ضد عدد قليل من الجنود المصريين الباقيين على قيد الحياة بعد استشهاد الرفاق في مواجهة أسطول من الدبابات الذي كان متوجهًا إلى قناة السويس لضرب ممرات الدبابات والمركبات المصرية .. وكان الجندي الصعيدي المولود في مدينة الأقصر أحد الباقيين على قيد الحياة بعد الاشتباك الكبير مع الدبابات .. الذي استطاع فيه الرجال من الجيش المصري أن يحققوا الهدف كاملًا وألا تعود دبابة إسرائيلية واحدة إلى منطقة تمركزها سالمة، وتحقق هدف تأمين عبور الدبابات والمركبات المصرية إلى الضفة الشرقية للقناة .. ولكننا الآن أمام عدة رجال لا يتجاوز عددهم العشرة .. وأمامهم مهمة أخرى هي النجاة بحياتهم والعودة إلى كتائبهم، وانتظر الجميع ظلام الليل للعودة .. لكن سيد زكريا كان يعلم تمامًا أنها ليلة شديدة الصعوبة، وأن العدو يستعد بالإمدادات للعودة إلى سيد ورفاقه.

 

قبل العملية .. وأثناء تكليف العميد برادة للجندي سيد زكريا بمهمة تأمين مرور الدبابات على الكباري المائية بعد فتح ثغرات في الساتر الترابي، طَلَب سيد زكريا من القيادة زخائر سلاح بحمولة زائدة أكبر من حمولة الجندي الطبيعية، ورفضت القيادة فتخلى “زكريا” عن حمولة الطعام والمؤونة مقابل إعطاءه كمية أكبر من الزخيرة .. وانطلق حاملًا العديد من الأسحلة والمتفجرات للتصدي للأسطول الإسرائيلي، وقام بعملية تمويه كبيرة هو ورفاقه عندما اختفوا ضمن الأشجار والحشائش وأغطية وأقمشة وألوان التمويه .. ونفذوا العملية على أكمل وجه.

عملية مرور الدبابات المصرية من الساتر الترابي الإسرائيلي في حرب أكتوبر المجيدة
عملية مرور الدبابات المصرية من الساتر الترابي الإسرائيلي في حرب أكتوبر المجيدة

في سَواد الليلة وعتمته، بدأ سيد ورفاقه تنفيذ خطه الرجوع إلى كتائبهم على بعد بضع كيلومترات لأقرب نقطة أمان ، وكان ما توقّع الجندي سيد زكريا .. حين رصد سيد ورفاقه طائرتين هيلكوبتر من فوقه وثلاثة مجنزرات عدد كبيرًا من أفراد القوات الخاصة الإسرائيلية تحاوط مجموعة سيد ورفاقه، المشهد الذي لم يتوقع أكثر المتشائمين .. ولكن سيد، الذي قرر سلفًا أن يواجه العالم حتى وإن كان العالم كله ضده .. قرر أن يواجه الطائرتين وتعامل معهم بالسلاح حتى أصاب أجسام الطائرات وانبرى في اصطياد الجنود الطيارين الإسرائليين أثناء هبوطهم من بالمظلات من الطائرات المحترقة .. وأتم سيد العدد كاملًا فلم ينزل طيارًا واحدًا سليمًا على الأرض .. وجاء دور التعامل مع المجنزرات التي تحمل القوات الخاصة.

 

وقضى سيد زكريا على 12 من قوات المجنزرات الإسرائيلية بعد معركة عنيفة مع سيد ورفقاه، وهرب الباقيين من الجنود الإسرائليين .. وما تبقى من مجموعة سيد زكريا هو سيد وزميل له فقط ! .. وحاولا استكمال طريقهم للعودة إلى نقطة الأمان، لكن الإمداد الإسرائيلي بالقوات لم يتوقف لظنهم أن يتعاملوا مع كتيبة مصرية كاملة بسبب أعداد القتلى الإسرائليين التي تدل على مواجهات حاشدة من الجيش المصري .. وأرسلوا مجنزرات ومركبات على متنها 100 فرد من أفراد القوات الخاصة الإسرائيلية .. وما كان من سيد إلّا أن يقاوم ويسقط أعداد كبيرة منهم محتميًا بجدران إحدى المنشآت بعد أن سقط زميلة شهيدً وأصبح سيد في مواجهة 100 من الإسرائليين وحيدًا مستعينًا بأسحلة زملاءه من الشهداء بعد نفاذ زخيرته .. وحذَّر قادة القوات الإسرائليلة جنودهم من الاقتراب من نقطة الضرب الذي يطلق منها سيد رصاصة .. حتى تسلل أحد الجنود من خلف الجدار وأطلق النار من خلف سيد فسقط شهيدًا، ومن هول ما أحدث سيد في صفوفهم .. قرر قادة الجيش الإسرائيلي دفن سيد وإطلاق 21 طلقة في الهواء اعترافًا بقدراته العسكرية الرهيبة والصادمة للجانب الإسرائيلي، وأحدًا لم يعد إلى نقطة الأمان المصرية وهربت المجنزرات الإسرائيلية من المنطقة لتمكن الدبابات المصرية من عبور الساتر الترابي بنجاح.

 

سيد زكريا
سيد زكريا أسد سيناء

كانت القصة في يوم السابع من أكتوبر سنة 1973 ، لتسأل نفسك ، إذا لم يستطع أحدًا من مجموعة سيد زكريا النجاة بحياته، من روى القصة بتلك التفاصيل الدقيقة؟ .. الإجابة حدثت بعدها بـ 22 عامًا، وتحديدًا في حفل دبلوماسي للقنصلية المصرية في مدينة برلين بألمانيا، دخل أحد رجال الأعمال الإسرائليين إلى القنصلية طالبًا مقابلة القنصل المصري، وأثناء المقابلة دس يده في حقيبته ليخرج متعلقات جندي مصري، أفارول عسكري، ومحفظة، وكارنية تعريف الشخصية للقوات المسلحة، وعملة ورقية، وعملة معدنية، وتصريح أورنيك إجازة من الجيش، وتلغراف لاستدعاءه لمناورة الخريف، وجواب مكتوب بخط اليد..  وكانت صدمة القنصل عندما اعترف له رجل الأعمال الإسرائيلي أنه الجندي الذي تسلل خلف جدار ليقتل المجند المصري سيد زكريا خليل .. وأنه شاهدًا على بسالة هذا الرجل الذي أطلق عليه قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي “أسد سيناء” !

أرشيف الصحف عن الشهيد سيد زكريا
أرشيف الصحف عن الشهيد سيد زكريا

 

وعندما خرج رجل الأعمال، فتح القنصل الجواب الذي كتبه سيد زكريا خليل لأخيه المجند والذي كان يتمنى أن يلتقيه إذا صادفت أيام إجازتهم التطابق، وكتب سيد بخط يده :

إقرأ أيضا
حرب الاستنزاف

“إنني أكتب لك هذه الرسالة وأنا في ظروف غير عادية، أما إذا أصبحت شهيدًا فلا تحزنوا عليَّ أبدً لأنني سأكون في منزلة عن الله لا يصل إليها إّلا الأنبياء .. وهذا ما أتمناه طوال حياتي .. ملحوظة، احتفظوا بهذه الرسالة ربما تكون الأخيرة مني لكم، والله أعلم”

 

 

الكاتب

  • سيد زكريا محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان