رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
113   مشاهدة  

ذكريات حرب الاستنزاف (2-2) الله الله يابدوي

حرب الاستنزاف
  • اللواء حامد شلبي .. بطل من أبطال حرب أكتوبر



كنت أحرص كل صباح على المرور وتفقد جميع أطقم السرية والتأكد من صلاحية المدافع والمعدات ونظافة أماكن المبيت، وأحيانًا كان يصادف ذلك تناول الجنود وجبة الإفطار فأشاركهم وأتعرف على مطالبهم وأعمل على تلبيتها حتى لو كانت أمورًا شخصية بحتة ولا علاقة لها بالعمل.

اقرأ أيضًا 
ذكريات حرب الاستنزاف (1-2) هكذا بدأت القصة

مع الوقت زادت الثقة المتبادلة وخاصة أن معظمهم من أبناء الريف والصعيد أو مناطق شعبية من أهم سماتهم  النخوة والرجولة والجدعنة.

ويومًا ما كنت أتابع أعمال الصيانة لماكينة توليد الكهرباء الخاصة بجهاز الحاسب فحضر الجندى سيد البدوي وشارك في هذه العملية رغم أنه من طاقم مدفعية وأثناء ذلك سألته:
ــ إنت بتشتغل إيه في الملكية ياسيد؟
ــ أنا فلاح في أرضنا يافندي.
ـــ يعني تحش برسيم وتشتل رز وتعزق القطن؟
ـــ طبعًا يافندي دا أنا متربي في الغيط
ـــ جدع يا أبو السيد عاوز أشوف مستواك في الرماية، ماشي يا وحش هنشوف في التدريب.

المركز بمطار القطامية ينتهي برماية بالذخيرة الحية على هدف جوي ورماية على أشكال دبابات هيكلية، وكان السيد البدوي هو عامل ضرب النار في الطاقم الثاني وكان أميًا، وعندما سألته:
ـــ مش عاوز تتعلم القراية والكتابة يا سيد؟
ـــ نفسي والله يافندي
ــ خلاص من بكرة بعد الغدا تيجي عندي في نقطة الأوامر وأنا حأعلمك.
ـــ ماشي يا فندي.

اللواء حامد شلبي
اللواء حامد شلبي

بالفعل في اليوم التالي جاء في الميعاد وبدأت أكتب له حروف الهجاء منقطة وطلبت منه أن يوصل النقط ففعل ثم طلبت منه أن يقلد كتابة الحروف، ففعل وهو في غاية الدهشة والسعادة، وتكررالأمر لمدة ثلاثة أيام تمكن بعدها أن يكتب كل الحروف بشكل سلس وجيد، وكتبت له اسمه فقلده بمنتهى الدقة وبعد ذلك كنت أنتقي له مانشتات الصحف فكان يكتبها بسهولة وأصبح يستطيع قراءة الجمل ثم السطور وفي نهاية الأسبوع كان يكتب ما أمليه عليه وتعود أن أختار له كل يوم مقالاً كاملاً يكتبه وأصححه له حتى أصبح يقرأ ويكتب كأي جندى مؤهلات بل أحسن من بعضهم.

وبعد أيام قليلة تحركت الوحدة إلى القطامية وأبلى بلاءًا حسنا وحصل طاقمه على إمتياز في ضرب النار الأرضي وبعد المشروع، اتفقنا الزميل العزيز الملازم/ رمضان، وأنا، أن نطلب من قائد الفوج آنذاك الرائد/ عبدالرحمن أبو سبع، ترقية الجندي/ السيد البدوي، إلى درجة وكيل عريف، فوافق على الفور وبعدها تحرك الفوج إلى منطقة عويبد، وتوالت الإشتباكات بشكل يومى طوال ساعات النهار، وأحيانا أثناء الليل إلى أن تقرر بناء حائط الصواريخ وتم تكليف الفوج بتوفير الحماية الجوية لأحد مواقع الصواريخ التى كانت تنفذها شركة المقاولون العرب بواسطة عمال تقريبًا كلهم من أبناء الصعيد وكانت ملحمة عنيفة وصراع وجود.

ذكريات حرب الاستنزاف

تعرضنا خلال تلك الفترة لقصف مركز في غاية الشراسة بلغ ذروته يوم 14يوليو 71 وتصادف أن كنت وحدي بالموقع واستمر الاشتباك الشرس طول اليوم دون توقف وأثناء أحد الغارات تعرض كابل المعلومات الواصل من جهاز الحاسب للمدافع لعطل فخرجت لفحصة تمهيدًا للإبلاغ واستدعاء الصيانة، بينما صوت الطيران ينبئ عن هجوم وشيك وإذا بالسيد البدوي يندفع نحوي ليجذبني وينبطح بي على الأرض في نفس الوقت الذي قصفت فيه طائرة ميراج الموقع بالصواريخ ويغمر الغبار والشظايا.

كنا متلاصقين وأحسست به يرتجف فسألته:
ـــ إنت خايف يا سيد؟.
ـــ أيوه ما ينفعش تموت
ـــ ياسيد الرب واحد والعمر واحد وإحنا كلنا هنا معرضين للموت يالله على طاقمك ربنا معانا.

كانت السرية الأولى من الفوج  قد تعرضت لقصف مباشر بقنبلة ألف رطل أدى إلى إستشهاد وإصابة 12جندى وإصابة ملازم أول ح/ عبدالمؤمن زيان، إصابة أفقدته ذراعه الأيمن وتدمير أربعة مدافع وجهاز الرادار، وبناءًا على ذلك قرر قائد الفوج استغلال الظلام لتغيير مواقع السرايا كمناورة لتقليل الخسائر.

وكانت مهمة بالغة الصعوبة حيث لا يتوفر لدى سوى سيارتين واحدة “زيل57” والثانية “جاز63” وسائق واحد!، بسرعة أجريت استطلاعًا للمنطقة على رجلي وإخترت ستة تباب تصلح كمرابض للمدافع بالقرب منها منطقة منخفضة بين تبتين توفر الوقاية لجهاز الرادار، ومثلها لجهاز الحاسب.

وبدأت على الفور إخلاء الموقع على رحلات أقود أنا سيارة قاطرًا مدفع والجندي السائق/ هنداوي، يقود الثانية قاطرًا مدفع آخر استغرقت هذه المناورة أكثر من ثلاث ساعات لم يتوقف خلالها القصف تحت أضواء المشاعل المضيئة.

بفضل الله لم يتمكن العدو من إصابة موقع قاعدة الصواريخ وتمكن رجال السرية الأبطال من تجهيز المرابض ومواصلة الإشتباك بشكل غير مركزي، حيث انقطع الاتصال بيننا وبين قيادة الفوج وبعد أن تجاوزت الساعة الثانية عشر من صباح اليوم التالي حضر سيادة الرائد/ عبدالرحمن أبو سبع، قائد الفوج وما إن رآني حتى احتضنني، ومر على الجنود وصافحهم فردًا فردًا وأثنى على ما قمنا به وإصطحبني للاطمئنان على باقي المواقع، وتم إخلاء موقع السرية الأولى وإخلاء الشهداء والمصابين وإصطحبت قائد السرية الزميل العزيز ملازم أول/ عبدالمنعم صميدة وطاقمين من أطقم السرية لينضموا إلى موقعي، وقبل أول ضوء تم تجهيز مربضين إضافيين وإنتصرت إرادة المصريين على جبروت العدو المغرور.

إقرأ أيضا
خسارة إسرائيل

ذكريات حرب الاستنزاف

خلال فترة مفاوضات مبادرة روجرز لإيقاف إطلاق النار تغير شكل الحياة اليومية وبدأ الإهتمام بالنواحي الإدارية لتحسين أماكن الإيواء والمطابخ، كما بدأت بعض الأنشطة ووردت تعليمات لمحو الأمية وإنشاء ما كان يسمى بمدارس التحرير نظام الثلاث سنوات حتى مستوى الثانوية العامة ودبلوم التجارة فيتقدم السيد البدوي، ليحصل على الشهادة الإعدادية وكان قد ترقى إلى درجة رقيب مجند فاحتفلت به السرية وجمعنا مبلغا اشترينا به ساعة “سايكو” هدية ووعده المقدم/ عبدالرحمن بالترقية إلى درجة وكيل رقيب أول وهي أعلى درجة يصل إليها المجند في حال حصوله على دبلوم التجارة.

فجأة ودون سابق معرفة وردت إشارة بنقلي إلى الفوج44 د جو كان الأمر غير متوقع وصادمًا مما تسبب في حالة من التذمر بين جنود السرية، أدت إلى حضور قائد الفوج إلى الموقع واجتمع بالجنود وشرح لهم الموقف لتهدئتهم وإفهامهم أننا جميعا معرضون لذلك وأن علينا تنفيذ الأوامر وتنفيذ المهام في أي وقت وأي مكان، نفذت النقل في نفس الليلة والتقيت بقائدي الجديد سيادة الرائد/ فيليب نصيف زخاري، بمكتب قائد دفاع جوي الفرقة السابعة، وسيادة العقيد/ أحمد الوصيف، وبدأت مرحلة جديدة من خدمتي لم تتوقف خلالها زيارات السيد البدوي لي بمنزلي بدسوق كما أنني كنت أقوم بزيارة سيادة المقدم/عبدالرحمن كلما سنحت الظروف وأمر على جنودي الذين حاربت بينهم.

 انتهت خدمة السيد البدوي وهو بدرجة وكيل رقيب أول حاصل على دبلوم التجارة مما مكنه بعد تسريحه من العمل موظفًا بالإدارة التعليمية بفوة، وأحضر زفافه عام78 وأظل على تواصل معه حتى انقطعت عني أخباره فترة، وعندما سألت عنه شقيقه الموظف بالسكة الحديد بدسوق صدمني بخبر وفاته رحمه الله وغفر له وبارك في محمد ابنه الوحيد، وأسألكم الفاتحة على روح إنسان مصري قاتل برجولة ودافع عن أرض وطنه وسمائه بكل أمانة وأدى واجبه إلى أن لقي وجه ربه.

الكاتب

  • ذكريات حرب الاستنزاف حامد شلبي

    اللواء حامد شلبي .. بطل من أبطال حرب أكتوبر






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان