رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
220   مشاهدة  

خطاب مفتوح إلى ضمير العالم.. غزة تموت!!

العالم
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



أيها العالم، أخاطب ضميرك الإنساني، بكل اللغات، متعشما أن تلتفت إلى حديثي المهم في قلب هذه الظروف الاستثنائية العصيبة التي تمر بها أنت حزينا، إن كنت كذلك بالفعل، وأمر أنا بها حزينا بالتأكيد؛ فأنا واحد تتضمنني أحضانك، واحد من الرجال الذين لهم أقلام احترفت الصدق والسبق لا الكذب والتأخر، لكنهم يعتبرونها مكسورة، أو ليست أقلامهم بالمرة، ما لم تعبر، بدقة، عن ما يشعرون به مهما يكن الكلام قاسيا عليهم قبل أن يكون قاسيا على الآخرين!

القصف على غزة
القصف على غزة

هاجمت حركة حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر ردا على عبثها المتكرر بالمقدسات، وهاجمتها، بالأساس، لأن صاحب الأرض يهاجم المحتل إلى أن يزول عن أرضه، وصاحب الحق يهاجم من يسلبه حقه إلى ساعة استرداده، وردت إسرائيل ردها الانتقامي الذي فاق شتى التصورات: قتلت المدنيين، خصوصا النساء والأطفال، بالأسلحة التقليدية والمحرمة دوليا، وهدمت على رؤوسهم البيوت بالجملة، وكلما أخبرت الناس بعنوان آمن يختبئون فيه، وذهبوا إليه بين القلق والاطمئنان، ضربته ضربا شاملا كأنها تنصب لهم الكمائن، وتتعلى عن صونهم من حقدها الرهيب دقيقة من ليل أو نهار، واستهدفت المراسلين الصحفيين، وغلب الاعتقاد أنها استهدفت أسرهم بالمثل، وهددت المراقبين بفكرة معاداة السامية، وبالغت في الاشتباه والاعتقال، بالإضافة إلى الأعداد الضخمة للمحتجزين والأسرى عندها، ودمرت المخابز والمحال والمولات ودور التعليم، وأظلمت غزة كلها فجعلتها عدما وقد كانت وجودا منيرا، وقطعت عنها الماء والغذاء والدواء فأعطشتها وأجاعتها وأمرضتها، وحرمتها من الوقود منتج الطاقة الضرورية، وعطلت جميع المساعدات التي تحاول الوصول إلى البلد المنكوب لتخفيف مصابه الجلل، وكم يحتاج إلى مساعدات فوق ما يرد إليه أصلا ولكن ما باليد حيلة، وامتد فجرها الصارخ إلى المستشفيات أيضا، تنسف سوحها نسفا أو تأمر بإخلائها وسط حيرة أطبائها وطواقمها الإدارية وجثثها وجرحاها، وفي النهاية أعلن القطاع الصحي هناك انهيار منظومته بالكامل، ومن ثم تعطلت خدمات كافة الأقسام، ومنها أقسام الأورام والكلى والأدواء المزمنة وحضانات الرضع، وهذه كارثة دونها التحمل، لقد أباحت إسرائيل اليأس ومنعت الأمل، وحاصرت غزة حصارا فظيعا خانقا فبدا إيقاع أنفاسها المحاصر كإيقاع أنفاس محتضر، وأبيدت أو كادت تباد، وانفض سامر شعراء المدينة الساحلية ذات الطبقتين، كتسمية غزة بالإيماء إلى أنفاقها السرية العميقة، انفض لأجل غير معلوم، وربما للأبد، الشعراء الذين هم أكابر الداعمين المعنويين للقضية، ذهبت بروقهم ورعودهم وسال الدم العربي سيلانا جارفا بعثر القصائد، وحتى ألعاب الصغار وعرائسهم القطنية رئيت ركاما باكيا بين الطلول لا تعزيه هدهدة الأمهات الباقيات، ثم بإسقاط الاتصال الهاتفي والإنترنت تم عزل المدينة عن محيطاتها، وخلت أجساد الأشياء من الأرواح، وملأت الآفاق صرخات الإحساس بالألم وصيحات الشعور بالخسارة ودعوات استعجال الخلق للرحمة واللطف الإلهيين.. ولو كان مسموحا لغزة الطيبة أن تنشئ جيش حماية علني، بالمناسبة، لا سيما وحكومتها إدارة عسكرية دفاعية شهيرة هي حماس نفسها، ما كانت لجأت إلى إخفاء مقاتليها بعتادهم في أغوار الأرض، لكنها متهمة دوما ومطاردة دوما، هي القريبة الحبيبة بنت رحم دولتها، ومن يتهمونها ويطاردونها هم الغرباء الأدعياء!

أيها العالم، أكتب خطابي هذا إليك، وقد بدأت إسرائيل اجتياحها البري الكاسح لغزة (الفصل الثاني من المسرحية المأساوية)، أكتب إلى ضميرك وأنا أتابع وقائع الزلزال الأشد الذي بدأت مرحلته المبدئية، قدر ما أسأل نفسي، مرارا وتكرارا، منذ الإعلان عن نيتها في تنفيذ هذه العملية العاصفة بالحلول: ألا يشبع قلبها الأسود ما ذكرته آنفا من الإهلاك المبين- إهلاك الإنسان وإهلاك الحيوان والنبات والجماد كمثله، وتفريغ بلد بهي من ألحانه البديعة وألوانه الزاهية؟!.. أرجوك لا تتشكك في كوني أنشد السلام والعدالة لإسرائيل ويهودها كما لفلسطين ومسلميها ومسيحييها، ولكن جريان هذه العملية إلى آخرها سيقلب الموازين، مهما تكن الكيفيات سيقلب الموازين، ولن تكون المحصلة سلام وعدالة، هذاك توقعي، وليتك تعتبر هذا رهانا لو بخاطرك توقع مختلف؛ ففي ظني أن اكتمال هذه الحرب، وسوف تكتمل للأسف، بأي إطار للصورة الصادمة الاستقطابية المرسومة مسبقا فيما أعتقد، لن يجعل التاريخ أمامه كالتاريخ وراءه أبدا، بل نتيجته مزيد من الكراهية والثأر كثمن باهظ للإصرار على الخصومة والتحدي واستمرار الدوران في مدارهما. إن ذكرى ميلادي ستحل قريبا جدا، لكنني أعلمك بعدم احتفالي بها ككل عام؛ فالأجواء كئيبة والنفس منقبضة..   

العالم
صورة جويّة للدمار والخراب الذي طالَ مدينة غزة ويتجاهله العالم

أيها العالم، غزة صامدة بالرغم من الإفناء كله، وشجاعة بالرغم من الإرعاب كله، وأبية بالرغم من الإذلال كله، صامدة لأنها أعادت وطنها المهمش وكوفيته الرمزية الحميمة إلى صدارة المشاهد وهي تموت، وشجاعة لأنها لا زالت تزعج قدرات عدوها الفائقة بقدرتها العادية، وأبية لأنها أبت الركوع للصهاينة المهيمنين وركعت لربها الفرد المهيمن، ومواطنوها متشبثون بها ومقيمون فيها إلى القيامة ولو صارت خرابة كبرى، لا يذعنون إلى ضغوط التهجير مهما زادت، ولا يستسلمون لأحلاف الشر مهما غزتهم من كل جهة، ولا ينكسون رايات كفاحهم مهما طال النزال في حومة الوغى، وإن كانت غزة تعاني من إحباط واضح فإنها تعاني من خذلانك إياها إذ تنادي مددك في كل مرة، ولكن ظلالك تخزيها وتخيب رجاءها في كل مرة!

الدواخين عالية أظنك رأيتها، وصخب فرقعة الصواريخ والقنابل مدو أظنك سمعته، والموت يرفرف بسماء الشهيدة الحية أظنك أحسسته، وإن لك لآلاف الوسائل الطائلة، إلا أنه لم يصل إلى جيراني منها كف خير، ما زلت أنتظر ملامسته بالذات!   

أين أنت يا سيدي؟! لقد كان ما فعلته حماس، ابتداء، كحجم نملة مقارنة بفيل، أعني قياسا على ما فعلته إسرائيل في أعقابها، فليست مقاومة الغاصب المحدود نطاقها كقسوته هو الشاسعة لشل المغصوب، ولكن وصفت أمريكا وأوروبا حركة حماس بالمنظمة الإرهابية، هكذا، وهما تعرفان قصص نضال الشعوب لنوال الحرية والاستقلال، لكنهما تعاندان، وتعرفان نصوص القانون الدولي التي تفرق بين مفهومي المقاومة والإرهاب، لكنهما تعاندان أيضا، وفي المقابل وصفتا إسرائيل المجرمة بالمغدورة التي تمارس حق الدفاع عن النفس!!

إقرأ أيضا
خطة مازنجر

أيها العالم، نسيت أن أسألك سؤالا مفصليا حاسما، كان لا يجب أن أخاطبك، من الأول، دون أن أطرحه عليك، ولن أواصل الآن قبل إجابتك عنه، وعلى كل حال ما قلته يكفي.. هل تملك ضميرا إنسانيا حقا فأخاطبه؟! هل تملك ضميرا إنسانيا حقا؟! هل تملك ضميرا إنسانيا؟! هل تملك ضميرا؟! هل تملك؟! هل؟!

الكاتب

  • العالم عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان