حسام حسن.. ثلاث حقائق صادمة عن العميد!

قبل أن تشيد، يا عزيزي مشجع الكرة ومتابع أخبارها، بتعيين حسام حسن مديرا فنيا لمنتخب مصر؛ عليك أن تسأل نفسك سؤالا صغيرا عن أهليته للقيام بهذا العمل الصعب، بعد استحضار تاريخ الرجل كمدرب بالطبع، ولعل المفاجأة حينئذ هي مواجهتك لثلاث حقائق صادمة:

اقرأ أيضًا
منتخب مصر لتكدير المزاج العام

•  الرجل لم يحقق بطولة بمدى تدريبه للأندية (الزمالك، الإسماعيلي، المصري، مصر المقاصة، المصرية للاتصالات، الاتحاد السكندري، بيراميدز، سموحة) ولو كان حقق تقدما في طريقة اللعب، وأجرى ما أجراه من تعديلات إيجابية في الفرق؛ فذلك كله دون التحولات الخططية الكبرى التي من شأنها إعادة الصياغة، جملة وتفصيلا، بما يؤهل لإزاحة الأوائل، لا منافستهم وحسب، ويفضي إلى بلوغ قممهم المستحيلة، ونوال دروعهم وكؤوسهم وخلودهم.. وعليه فكأن المحصلة لا شيء إذ دام الحال بلا أمجاد مثبتة في السجلات، تباهي بها السوح الرياضية المتطلعة لأمثالها على مر الأزمنة!
•  لم يتعامل مع المنتخبات، سوى مرة واحدة مع منتخب الأردن، لم تسفر عن شيء ذي بال، وإلا ذاعت أصداؤها في المجال وقتئذ واستخدمته الممالك والدول، لكنها كانت عادية، وكان يمكن أن يحرز نفس نتائجها شخص أدنى بكثير من سمعة حسام الباذخة في العمادة الكروية (حسام حسن والأردن: 2013- 2014)، وقد كان الاستقدام الأردني له والتعاقد معه، وقتما جريا، تفاؤلا بارتباطه الوثيق بمدرسة أستاذه العظيم الجوهري (محاولة لاستعادة الأستاذ بطبشورة التلميذ المفترض نبوغه)؛ فالجوهري صنع للبلد الشقيق ما يفخر به على مدار أعوام ممتدة (محمود الجوهري والأردن: 2002- 2012) وقد عمل الجوهري في الأردن، حين عمل، مديرا فنيا ومخططا استراتيجيا للكرة الأردنية.. (بالأمس القريب حصدت قطر كأس آسيا، من خلال المبارة التي جمعتها بالأردن في نهائي كأس الأمم الآسيوية، ولو كان الأردن هو من حصد الكأس؛ لكان المبالغون قالوا، بمناسبة التجلي الأخير لحسام، ككادر تتصوره طغمات من المسؤولين والجماهير حلا لعقدة منتخبنا القومي المتخبط، إنه سبب قديم من أسباب الحصاد الأردني الحاضر، ولكن السبب القديم الوحيد الذي يجب ذكره بشأن الأردن، كلما وهبه كرم الأقدار جائزة معتبرة أو صعودا لافتا، هو الجوهري لا حسام؛ فالجوهري مكث هناك ردحا، أسس تأسيسا أقام البناء وأبرز القوام، وحسام عبر عبورا سريعا بعمان، اجتهد فيما زرع بدون ثمرات مشبعات، ولو كان أجاد لكان إخوتنا جددوا له وحرصوا عليه، وإذا قال قائل هنا إنه هو من ترك الأردن لأجل الزمالك حينها؛ قلنا له إن تلك القالة لحسام نفسه بعد عودته من الأردن، والله وحده يدري الصواب، إلا أن الزمالك استغنى عنه بعد شهرين فقط من تنصيبه كمدير فني للفريق في أواخر يونيو 2014، خاض خلالهما ست مباريات، بين البطولات القارية والسوبر المحلي والدوري الممتاز، فاز مرة وتعادل اثنتين وهزمه الخصوم ثلاثا، ثم أقيل وجاء باتشيكو!
•  يتمسك حسام بأطقمه المعاونة المعروفة تمسكا صارما، الإداريين والفنيين، وعلى رأسهم توأمه إبراهيم كمدير للكرة، ولا بأس بتمسكه بمن يستريح إليهم، لكنه، بلا تجن، على استعداد لكسر قوانين التشغيل جبرا لخواطرهم، ويستحيل أن يستبدل بهم بشرا آخرين مهما وجد هؤلاء الآخرين أجدر بالمهمة من حيث كونهم أكثر جاهزية وعلما وخبرة!

كان حسام لاعبا قديرا طبعا، قائد همام وملهم شديد الحضور قوي التأثير، وكان هدافا أسطوريا بكل معنى الكلمة؛ يغني اسمه كلاعب عن ذكر التفاصيل الدقيقة المتعلقة به، ولكن السؤال الطبيعي هنا: متى كان تميز اللاعب، ولو كان من النوع الذي لا يتكرر كمثله، إفادة بنجاحه في مجال التدريب؟!

سيعامل حسام لاعبين كبارا في المنتخب، هم الصفوة كما في منتخبات البلاد جميعا، لهم تجاربهم الاحترافية في أوروبا وغيرها، وعليه أن يضيف إليهم شيئا فارقا، لا أظن للأمانة أنه يملكه، فهو إن كان يملك حماسا منقطع النظير فإنه يملك ما يحول هذا الحماس نفسه إلى عصبية تهدر الطاقة، هو الرجل الذي مشكلاته أكبر من إنجازاته، لو اعتبرنا أن لديه إنجازات تدريبية تضاهي إنجازاته كلاعب فذ عشقته المستطيلات الخضراء، بدون أن نجمل واقعه كمدرب، والأحداث برمتها مشهودة وموثقة!

في الختام.. أنا لست ضد تعيينه قبطانا لسفينة المنتخب المضطربة، وعلى كل حال وقع الأمر، ولو كنت معترضا عليه، ككاتب راصد للأوضاع ومهموم بتقلباتها المؤسفة، وكمواطن من دافعي الضرائب في هذا البلد؛ فلا قيمة لاعتراضي فيما أوقن، لكنني أوضح صورة أراها ليست واضحة، وأحاول ترشيد فرحة أراها صاخبة بلا داع..

سيتقاضى حسام، طبقا لما أصبح معلوما، مليون جنيه مصري في الشهر، ومعاونوه 800 ألف؛ وعلى هذا يكون وفر لخزانة الدولة كثيرا من راتب فيتوريا الضخم (200 ألف يورو شهريا) وهو الرقم الذي يجاوز 6 ملايين ونصف بالعملة المحلية، وقد يكون حسام طلب أقل من مليونه المعلن، إمعانا في الوطنية ومن باب تلقين البرتغالي الجشع غير المأسوف على فسخ عقده المجنون درسا في القناعة، ولكن اتحاد الكرة قام بتثمينه ماديا وتقديره معنويا بما وجده يرضي غروره ويلبي حاجاته، وقد يكون طلب مبلغا أكبر مما استقر عليه الاتفاق؛ لأن المعيشة غالية ومكلفة، بيد أن الاتحاد ذكره بالظروف الصعبة للبلد والمعاناة البالغة للناس فسكت ورضي (أو سكت بلا رضا).. على كل حال هذه هي الأثمان الباهظة للعبة حاليا، لا يقل شهرها للفرد الواحد عن هذا المليون الذي لا تحلم به مجموعة من الموظفين الأكفاء في سنة تامة، ونجوم الكرة (لعبا وتدريبا بالذات) صاروا غاية الاستثمار، وصاروا أعلى من العلياء وأشهر من الشهرة، وأما الباقون، أيا كانت مقاماتهم، فزيادات عددية!

إقرأ أيضا

كيف نتغلب على خوف التقدم في السن؟

لا أتوقع للمنتخب أن ينتعش بعد إغمائه الطويل، كما يتمنى أهلي المصريون الذين تمثل لهم الكرة حياة تفوق الحياة، لا أتوقع مثل ذلك فعلا، وقد أكون متوقعا أن تكون فترة حسام انتقالية، والمعنى أن نتوصل من خلالها إلى مدرب جديد (أجنبي أو وطني أيضا)، لكنني مع ذلك لا أسفه أحلام الرجل الذي انتظر الفرصة دهرا بأشواق يعلم الله مداها، وحتى لو سفهت أحلامه، منحازا إلى مسار ناصع ممهد، فلن يتغير على الأرض شيء بالمرة كما ذكرت آنفا، إنما أناشده الهدوء والتركيز والبعد عن المعارك الخائبة، وأرجو له التوفيق بالطبع، ومن يدري لعل عنده، من فيض ما حنكته السنون والتجارب، ما يفاجئنا به فيسر أرواحنا ويخالف الظنون المرتابة القلقة، بل يكون حديث مصر وإفريقيا والعرب والعالم!