154 مشاهدة
شخصية سترة في العتاولة .. “فريدة سيف النصر” وحصاد خبرات السنين
تلعب فريدة سيف النصر في مسلسل العتاولة دور سترة والدة طارق لطفي وأحمد السقا (خضر ونصار).. الشخصية ليست سوية، ولا محيطها، وولداها ليسا سويين بالمثل، بل ورثا الجريمة من أبيهما الراحل الذي سقاها لأمهما إلى درجة أنها أضحت تكنز أموالها الحرام في مدفنه بمنتهى الدعة، والمعنى أنها شخصية مركبة لا بسيطة، وتحتاج إلى جهد تمثيلي جهيد لإيصال أبعادها المعقدة للمتلقين، لا سيما وهي تحوي قيما إيجابية بشكل أو بآخر، على رأسها أنها الكبيرة المهابة مسموعة الكلمة “أم الرجالة” بتعبير العمل الدرامي نفسه، واسمها دلالته واضحة فكأنها ما يستر به المكشوفون، أو الخائفون من الانكشاف، أنفسهم، وهي شخصية محورية وليست ثانوية، تنطلق الأحداث من عندها وتعود إليها، وهكذا دواليك..
فريدة سيف النصر ممثلة شهيرة مخضرمة (مواليد القاهرة في 10 سبتمبر 1959)، اكتشفها المخرج حسام الدين مصطفى وهي تلميذة، ثم الفنان جورج سيدهم الذي ضمها إلى فرقة الثلاثي، وفي فترة من الفترات شكلا معا ثنائيا فنيا ناجحا، لعبت فريدة عشرات الأدوار في المسرح والسينما والتلفزيون، وبالرغم من إجادتها لكثير مما قامت بأدائه، إلا أن علاماتها الفنية الخالدة قليلة بالقياس إلى غيرها من سيدات جيلها اللواتي وضعن بصماتهن الدائمة الباقية على الشرائط، يرجع الأمر في تصوري إلى سببين اثنين: الأول: مشاركاتها الكثيرة في أعمال تجارية ربحية (السبعينيات والثمانينيات)، والثاني: حصر المنتجين والمخرجين لها في أدوار تعتمد على قدراتها الأنثوية وحدها (الجمال الشكلي والإغراء الجسدي) فوق ما تعتمد على قدرات الممثل الجميل الفائق الذي يسكنها.
لا ريب في أن فريدة سيف النصر كانت كبيرة الموهبة من بداياتها، بصرف النظر عن سوء توظيف تلك الموهبة أحيانا، وكانت خامة تمثيلية متميزة ونادرة، وإن كانت استسلمت لما اختيرت له مدة سنوات طوال، إلا أنها حصدت خبرات كثيرة ومهمة من خلاله أيضا، وفي الوقت المناسب أظهرت هذه الخبرات، لعبت عددا من الأدوار التي تمنتها، وأظنها لا زالت تمني النفس باستكمال المشوار اللافت المهم الذي يرقى بها إلى علياء منفردة، ربما أرادتها من الأول، ولم تمكنها ظروف الأوقات العسيرة السالفة..
لا أنسى هنا ابتعادها عن الفن في مرحلة التسعينيات لأسباب تخصها، ذكرتها بنفسها في بعض البرامج والحوارات، كانت الأسباب دينية لا فنية، وقد أكون شخصيا ضد ابتعاد الفنان لأسباب ليست فنية محضة، لكنني قد أجد في الابتعاد عموما، كان فنيا أو لم يكن وطال أم قصر، ما دام حدوثه مقدرا على الفنان، فرصة للتأمل الهادئ الدقيق والمراجعة المتأنية الذكية، ليعود الفنان من بعده بصورة واعية واثقة، ترضيه وترضي جمهوره الوفي منتظر تجليه.
اقرأ أيضًا
العتاولة .. اعتذار حقيقي
في مسلسل العتاولة تحالفت الأشياء كلها لإضاءة روح فريدة، ولا أقول وجهها، الملابس والماكياج والديكور وبراعة التصوير وحنكة الإخراج ومعاونة الممثلين الرائعين الملتفين حولها، كانت سترة في القلوب من الأحداث ولم يكن معها كيان آخر، كأنها أسقطت صدأ ثقيلا حفها، في غفلة قديمة امتدت لياليها المدلهمة، فبرقت وبدت بكامل أبهتها، صوتها وحركتها وطريقتها الخاصة جميعا، برزت وتضخمت وجلجلت فتضاءلت المرئيات والمحسوسات في المشاهد ما عدا ظلالها الكثيفة الحميمة، حضرت حضورا طاغيا تبدى فيه حصاد خبراتها الوافرة النافعة الذي أشرت إليه آنفا، عوضت بهذا الدور الفخم الشاهق أعواما غاب مثله عنها فيها وغابت هي عن مثله أيضا، وكم صارت، في الآونة الأخيرة، تعوض أعواما فاتت بأدوار تليق بطاقتها الحقيقية التي كاد يطويها الكتمان الذي لا تحمل ذنبه كله بالتأكيد.. وعلى كل حال يمكن أن يبدأ الممثل النجم، بإمكانيات باهرة، في آفاق عمره الستيني، أعني يبدأ بداية أخرى أخاذة نفاذة، ذلك أفضل جدا من أن ينطفئ في هذه السن المقلقة الحرجة، ولقد سطعت روائح عطور فريدة من الشاشة حتى شممناها كلنا مشدوهين مأسورين!
الكاتب
ما هو انطباعك؟
