رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
67   مشاهدة  

باب الأحلام الذي يعيننا على الحياة

الأحلام
  • إسراء سيف كاتبة مصرية تخرجت في كلية الآداب، عملت كمحررة لتغطية مهرجانات مسرحية، وكصحفية بموقع المولد. ساهمت بموضوعات بمواقع صحفية مختلفة، وتساهم في كتابة الأفلام القصيرة. حصلت على الشهادة الوظيفية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من الجامعة الأمريكية وألفت كتابًا لتعليم اللغة العربية للأطفال بالدول الأوروبية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



 

يقول سيلفادور دالي:

عندما ننام بعالم، نصحو بعالم أخر!

لا تختلف كلماته عما تؤمن به جدتها عن عالم الأحلام مم يثبت أن للجدات  البسيطات حكم الفناين والفلاسفة، فتقول الجدة:

 يفتح الله لنا بابًا  في الليل عن طريق الأحلام  كي تطوف روحنا  حول أرواح من نحب!

تتذكر  هذه  الكلمات كلما اقتحم سكينتها حلمًا دون استئذان من الأحلام ، ولكن لم تقل جدتها يومًا أن للرؤى جناحات تتحرك بها خارج حدود المنامات لتتتحقق وتحيرنا على أرض الواقع! 

                                                          * * * 

الخاطرة التي تلاحقها: سيأتي مُجهدًا، يكاد لا يرى أمامه من فرط الإجهاد، سيستعير سيجارة من أحد الأصدقاء، ثم  سيبحث عن زجاجة مياه لشعوره بالعطش الشديد.

هي:تشرب؟
هو:شكرًا أنا فعلًا كنت عطشان أوي!

يتبادلان أقل القليل من الكلام. تتسع حدقة عينيه عندما تتكلم معه، يصيبه الرعب عندما تحاول الاقتراب، ولم تستطع أبدًا فك شفراته!
                        

اقرأ أيضا…يوميات القلق

– لعن الله التردد، كما تمنت أن يلعن أيضًا المشاعر المُتخبطة. ظلت ممسكة بهاتفها المحمول لفترةٍ طويلة حتى كادت تتوحد معه ناظرة لاسمه ورقم تليفونه متصدرًا شاشة هاتفها مترددة في الاتصال به للاطمئنان على صحته بعد تأكدها من أحد الأصدقاء أن الصورة التي طاردتها مؤخرًا عنه حدثت، وهو الآن بإحدى المسشفيات. وفي أثناء انهماكها في التفكير، وحربها مع التردد كان يتعالى صوت أم كلثوم من الراديو قائلة:

 

بدي أشكيلك من نار حبي.. بدي أحكيلك ع اللي في قلبي

وأقولك ع اللي سهرني.. وأقولك ع اللي بكاني

وأصورلك ضنى روحي.. وعزة نفسي منعاني

وعزة نفسي مــنــعـــااانــي….

أثارت الأغنية انفعالها فصرخت بأخيها  ليغلق الراديو أو(الزفت) على حد تعبيرها. على الرغم أن المسكين لا يعرف طريقًا آخر للمذاكرة سوى بسماعه. بالنهاية  وبعد صراعٍ طويل مع ترددها العنيد قررت أن تتصل به على الرغم من اجتياح صورة جديدة لخيالها تتكرر بلا انقطاع، وهو يداعب كوب المياه بالمستشفى بيده مترددًا هو الآخر في الرد على الاتصال.


                     
هي: الو…إزيك؟
هو: الحمد لله.
هي: أنا عرفت إنك تعبت فجأة ألف سلامة عليك هتعدي يعني.
هو: الله يخليكي..بقيت أحسن الحمد لله.
هي: مش عايز حاجة؟
هو: الله يكرمك شكرًا.

– اثنان قادران على قتل عاشق: التجاهل والبرود. وعلى الرغم من ذلك لم تنفك من هذا الإحساس المزري من افتقاده وحبه، ولم تنقطع عنها هذه الصور التي تطاردها.

 

أُحجية كبيرة تطاردها هذه الأيام كمسابقات (الشيبسي) القديمة التي كانت ترغمك على تجميع صور متفرقة لدراجة- أو ما شابه- وما إن تجمع الصور العشوائية حتى تتضح الصورة كاملة وتقوم باستلامها بشحمها ولحمها على أرض الواقع بجرسها اللامع الذي تتباهى بصوته وسط الأصدقاء، ولكن لم تكن أحجيتها لها نهاية سعيدة كنهاية مسابقات الطفولة.

بعد مكالمتها الباردة معه اختارت الابتعاد محاولة تجاهل كل الرؤى التي تثير قلبها من ناحيته، وتُأجج بركان مشاعرها من جديد. كانت تطاردها أحلامها عنه كالرزق الذي يبحث عن صاحبه! ولا تنال نصيبًا من هذا الرزق سوى هذه الرؤى النهارية التي تقودها للجنون؛  لذلك حاولت أن تشغل نفسها قدر الإمكان.

 

التصوير هوايتها المفضلة التي تعينها على كسب المال أحيانًا، فترسل منها للمواقع الإلكترونية، وأحيانًا للبرامج التلفيزيونية، فتتقاضى ما يُغطي مصروفها الأسبوعي بسياسة التقشف.


كرهت التقيد بعمل بمواعيد محددة، ومدراء يحلقون فوق رأسها يتنفسون من أكسجينها القدر الذي يحيي غرورهم ويميت حريتها! ظلت حائرة بين البحث عن عملٍ ثابت وإطاعة والدتها  بهذا الطلب، أو التمسك بحريتها وعدم التقيد بوظيفة محددة. الأمهات لا يهتمون سوى بما يخرس أفواه الجيران، فدائمًا تردد لها:

يعني يا بنتي لا جواز ولا شغلانة ثابتة!..الناس كلت وشي.

 

وبالنهاية ومع احتياجها الشديد للانشغال رأت حلًا وسطًا وهو أن تكثف من التقاط الصور، وتنخرط في عالمها حالمة بأن يكون لها معرضها الخاص يومًا ما، وفي يوم من الأيام التي قررت بها النزول للتصوير، وبعد معاناتها كباقي المصريين في إيجاد مواصلة، انطلق الميكروباص ومعه الراديو بصوت أم كلثوم قائلة:

خاصمتك بيني وبين روحي.. وصالحتك وخاصمتك تاني

وأقول أبعد يصعب علي روحي.. تطاوعني ليزيد حرماني

 

– تحب صوت أم كلثوم، وترى فيه تعبيرًا عن الروح، في حيرتها، فرحتها، تيهها في الانتظار، وصراها مع الكرامة. ولكن لأن على روحها “بطحة” تأبى الزوال، فقد أثارت الأغنية حنقها للمرة الثانية على التوالي.

قررت تجاهل الأغنية وأخرجت سماعة هاتفها المحمول، ووضعتها في أذنيها لسماع قائمة أغانيها المفضلة  بأعلى درجة صوت ممكنة حتى انتهت أم كلثوم:


هفضل أحبك من غير ما أقولك. إيه اللي حير أفكاري

لحد قلبك ما يوم يدلك..على هوايا المداري

ولما يرحمني قلبك .. ويبان لعيني هواك

وتنادي ع اللي انشغل بك.. وروحي تسمع نداك

ارضى اشكي لك من نار حبي

وابقى احكي لك ع اللي في قلبي

وأقول لك ع اللي سهرني.. وأقول لك ع اللي بكاني

وأقول يا قلبي ليه تخبي ..وليه يا نفس منعاني

 

إقرأ أيضا
مو ذكي

الأغنية تسافر بك من مكانك إلى حالتها كما الأحلام ، ككل ألوان الفنون التي تجلت فيها الأوجاع الصادقة، والأفراح الصادقة؛ لذلك اختارت بعناية أغانيها التي تفصلها عن واقعها المجنون.

كانت الشمس تسلم للقمر دوره بوقت مناسب للتصوير، وبدأت في التقاط ما يحلو لها من الصور. الكاميرا تحب صاحبها وتساعده على تسجيل اللحظات النادرة. تؤمن أنه “لا يوجد وحيد ومعه كاميرا” رأت بعدسة الكاميرا طائرة بشكل مفاجىء تقترب منها، فأبعدت نظرها عن العدسة ناظرة بعينيها للسماء  مرة أخرى لتجد لا أثر لطائرات!

 تُعيد النظر إلى السماء من خلال عدستها فتجد مرة أخرى صورة لطائرة مُحلقة على مقربة منها بلا صوت! أغلقت عينيها لبضع دقائق محاولة التحكم في حيرتها ورهبتها حتى فتحتهما ثانية لترى صورة جديدة  لسيارة ليست معالمها غريبة تصطدم بسيارة أخرى!
                   
                                                            * * * *
ما أصعب تشابك المشاعر فلا تُجدي النصائح نفعًا، أن تمتلكك أفكارك المتناقضة حتى يتمكن منك التردد وعطب العشق. تساءلت كثيرًا لم كل هذا التعلق؟ هل للخواطر دور كبير فيه؟ تصور لها فيلمًا كبيرًا لتحولها فيه لوسيطة روحانية، فيعطيها الشعور به أملًا زائفًا، أم يمكن لاحتياجاتنا خلق لنا هالة كبيرة من الأوهام تحيط بأروحانا لتنال منها؟

عادت مسرعة إلى بيتها وفي طريقها إلى المنزل حاولت فتح حسابها الشخصي  بـ(فيس بوك) من هاتفها المحمول لتفقد أخباره ومعرفة حقيقة الحادثة التي رأتها. ولكن خيبت الشبكة ظنها طوال الطريق بحظ سيء مثير للسخرية، فلم تتمكن من فتح الحساب الخاص بها أبدًا. وفي حالة من الارتباك لم تستطع هذه المرة السيطرة عليها، كانت ضائعة بين الصور المتلاحقة التي تقودها إلى الجنون. تحاول غلق عينيها مرات ودعكهما مرات أخرى، لترى صورًا متلاحقة لطائرة في الهواء.

                                                                  * * * *
ظلت متصلبة في مكانها تقرأ ما كتبه صديقه على صفحته مرارًا. انهالت التعليقات من الجميع، مَن يتساءل عما حدث، ومن يعلق على غرار ما كتبه صديقه، ومن ترجِع الأمر إلى الحسد، فالعين التي تفلق الحجر، تستطيع بالطبع فلق سيارة! باتت طوال اليوم أمام (اللاب توب) مُراقبة لجميع التعليقات حتى فهمت ما حدث بالضبط، فقد نوى فعلًا السفر قبل وقوع حادثة لسيارته.

                                                            * * * * *                 

-قدَرٌ كُتب عليها ليلاحقها، والابتعاد لم يكن حلًا لتوقف هذه الصور التي تطاردها أينما كانت، فالحذر لا يمنع القدر. يبدو أن عقلها يبتعد، ولكن وجدانها يأبى الابتعاد.


انتهت الأُحجية، ومعها تنتهي الصور عن ملاحقتها. انتهت القصة قبل أن تُكتب لها بداية. انتهت أحلامها التي تأكدت أنها لم تكن أضغاث أحلام!

 جاءها اتصال هاتفي من أحد الأصدقاء يحثها علي توديعه  معها بمطار القاهرة. قال لها أنه حاول مقابلته قبل ميعاد السفر ولكن  كانت الظروف ضدهما، وخاصة أن خبر سفره جاء مفاجأة للجميع، أكدت له أن علاقتها به ليست قوية للحد الذي تذهب للمطار خصيصًا لوداعه! فكان جوابه:

– إنتِ عارفة اللي بيسافر استراليًا دا مبيرجعش…مفيهاش حاجة  لما تيجي معايا الله أعلم هنشوفه تاني إمتى أنا متأكد إنه عاوزك تكوني موجودة.

قطع تذكرته للفراق وبالطبع لم تضع هذا في حسبانها، نعم…لا تعلم حقيقة مشاعره، ولكن تعلم حقيقة مشاعرها التي تجعل رؤيته ولو مُصدافة بمثابة شربة ماء بعد ظمأ طويل. لم يشغل بالها سر إصرار صديقهما على تواجدها معه بهذا الشكل! كل ما شغلها أن تبدو في أفضل حال، فربما كانت أخر مرة يراها فيها.

اختارت أزهى فساتينها لترتديه والتي رأتها يوما في الأحلام  ووضعت القليل من مساحيق التجميل، وقامت بفرد شعرها على كتفيها لأول مرة و عند وصولها المطار شعرت بدقات قلبها تتسابق مع بعضها البعض، والأدرينالين يجري في دمائها، حاولت أن تبدو قوية قدر الإمكان عندما رأته مُبتسمًا ابتسامة وداع قلقة كادت تكشف عن دموعها، لم تتبادل معه الكثير من الكلام.  كانت النظرات كفيلة بقول كل ما كانا يريدان قوله:  اللوم…الحب، الحزن…الحيرة،  كانت المشاعر الغالبة على الموقف.

حتى حانت لحظة انصرافه:

هي: طول عمرك نفسك تسافر…توصل بالسلامة.

هو: في حاجات كتير صعب تتشرح دلوقتي.خدي بالك من نفسك.
هي: تفتكر؟
هو: خدي بالك من نفسك.


خرجت من مطار القاهرة مع صديقهما دون أن يتبادلا أي كلام، كان الصمت سيدًا للموقف. أخرجت سماعات هاتفها التي لا تفارقها أبدًا والتي تهرب إليها كما تهرب إلى الأحلام، ووضعتها في أذنها لسماع الراديو لتبتسم  نص ابتسامة ابتلعت دموعها مع صوت أم كلثوم قائلة:

أروح لمين…وأقول يا مين ينصفني منك

ما هو أنت فرحي..وأنت جرحي..وكله منك
         أروح لمين؟

 

الكاتب

  • الأحلام إسراء سيف

    إسراء سيف كاتبة مصرية تخرجت في كلية الآداب، عملت كمحررة لتغطية مهرجانات مسرحية، وكصحفية بموقع المولد. ساهمت بموضوعات بمواقع صحفية مختلفة، وتساهم في كتابة الأفلام القصيرة. حصلت على الشهادة الوظيفية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من الجامعة الأمريكية وألفت كتابًا لتعليم اللغة العربية للأطفال بالدول الأوروبية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان