خِضر .. أخيرًا شرير من لحم ودم!

أصيبت الدراما والسينما المصرية في السنوات الأخيرة بداء يمكمننا أن نطلق عليه “داء البجعة”، وداء البجعة يا ناس عبارة عن ممثل وهبه الله العديد من نبرات الصوت، الخافت منها والعالي، والجهور، والسوبرانو منها والأجش، والمتردد منها والواثق، وهبه الله آلات موسيقية متعددة، ونغمات متنوعة على السلم الموسيقي (الربّاني)، لكنها ألقى بكل تلك الهِبات في صندوق القمامة واختار أن يعيش كبجعة لمدة 30 حلقة على الشاشة .. ينخر ويزمجر وينقنق طول الحلقات في كل أنواع المشاهد .. حيث تجده هكذا بنفس الصوت الثابت -وسبحان الله- في المشهد الرومانسي، والتراجيدي، والكوميدي .. تجده بنفس (التون) عندما يرقص أو يقتل أو يتغزل .. كي يُسطّر معجزة جديدة في تاريخ فن التمثيل .. أن يتحول إنسان إل طائر بمجرد إمضاء التعاقد على المسلسل مع شركة الإنتاج!

وأصيبت الدراما المصرية أيضًا في نفس الوقت بداء يمكننا أن نطلق عليه “داء الأمَينو” .. والأمينو مسحوق من مساحيق المكملات الغذائية، الذي يمكنه أن يقلب الصعفور ضيل الحجم، إلى صقر عملاق يرعب من يراه .. يمكنه أن يقلب البسكلتة الصغيرة لطيفة المنظر، طفولية الاستخدام ، إلى جرار زراعي يهلك في طريقه الحرث والنسل .. وكذا يتحول الإنسان الفنان الذي يلعب دور البطولة في مسلسلات الشهر الكريم إلى دبّابة بشرية .. وكيف لا نعرف ذلك والفنان يخلع ملابسه بدون مبرر درامي كي لا يذهب اشتراك الجيم سُدى .. كيف لا نحفظ تفاصيل جسده وقد خلع التيشرت عندما غضب بدلًا من أن تنقبض عضلات وجهه .. وكيف يقبض تلك العضلات وقد دخل وجهه ضمن برنامج “تنشيف” الجسد، فأصبح وجهه جزء لا يتجزء من السّمانة أو السكس باكس!

ومن بين هذا الضباب الذي رسمته أيادي المصابين بـ “داء البجعة”، و “داء الأمَينو” .. يخرج رجل يعرف الجمهور جيدًا كم الشقاء والتعب الذي بذله لحجز مقعده الثابت في الدراما المصرية .. من بين كل ذلك يخرج الفنان الذي يستحق الكلمة المعروفة على تترات المسلسلات “القدير” .. من بين كل هذا يخرج الفنان القدير طارق لطفي .. بشخصية “خضر” في مسلسل العتاولة الذي يعتبره الشارع والنقاد واحد من ثلاثة فرسان درامية رمضانية تتقدم السباق.

خِضر القبضاي ..  خِضر الشرير حقًا داخليًا قبل خارجيًا .. اللص الذي يعتبر ما يسرقه برًا لأمه سُترة العترة .. فتكوّنت تلك التركيبة لرجل (شِمال) لكنه مسؤول في الوقت ذاته .. رجل هادئ الطباع لا يرفع صوته أبدًا، ويتحرك ببطئ، لكن يمكنك أن ترى ثلثي مخزون الشر والحقد في نظرة عينيه عندما يضحك .. بالإضافة لاكسسوار الشخصية الخالي من البهرجة الأمريكاني، فرسم لك صورة رجل أقرع بشارب طبيعي دون اكسسوار يجعل منه شخصية كارتونية كما نرى في أشرار آخرين يرتدون سلسلة “فيفتي سنت” علامة على عالم اللصوصية والسرقة فتخرج الصورة وكأنهم لاعبين سلة في دوري “الإن بي آيه”

خِضر الذي يضمر في قلبه حزن عميق، وعاطفه جففها بيده قبل أوانها لأسباب -بالتأكيد- سوف تُكشَف في الحلقات القادمة .. خضر الذي اختلط بداخله الشر بالخير .. والشمال باليمين .. وتداخلت في أعماق النقاط في نفسيته مبادئ الحياة القويمة بحياة النَصب .. خِضر الذي اختلط بقلبه الحب بالكره .. فتجده يحب أخيه “نصار” الذي يلعب بطولته النجم أحمد السقا، تجده يحبه حبًا حقيقيًا وفي الوقت ذاته يمكنه أن يقسو عليه .. تجده يحب “مديحة” التي تلعب دورها الفنانة نهى عابدين .. لكنه في الوقت ذاته لا يفتح باب قلبه لها .. كل تلك التناقضات والمناطق النفسية الصعبة تجدنا نقول -بعد أن نشكر الفنان القدير طارق لطفي- أخيرًا شرير من لحم ودم!  

إقرأ أيضا

إنجاز السباحة ديانا نياد المذهل والجدل الذي يحيطه