يواجه خطر الاستنزاف.. مصر ترقد على أحد أكبر خزانات المياه الجوفية في العالم (حوار)

“تأمين من الطبيعة” هكذا وصف الخبراء المياه الجوفية باعتبارها طوق نجاة، قد يساعد العالم على تخطي أزمة الجفاف القادمة. وعلى الرغم من أن مصر في مأمن من تلك الأزمة التي يسببها تغير المناخ، إلا أن مشاكل المياه لا تزال بادية في الأفق؛ خاصةً مع اقتراب الملء الرابع لسد النهضة. 

الثروة المخفية في أرض مصر من المياه الجوفية قد لا تدوم للأبد؛ فالجزء المتجدد من تلك المياه معتمد على المياه المتسربة من الزراعة في وادي النيل، أمَّا الجزء غير المتجدد منها مستقر تحت رمال الصحراء الغربية. وجميع الواحات التي تشتهر بها تلك الصحراء مثل الداخلة والخارجة وسيوة تعتمد على مياه غير متجددة؛ مما يجعلها عرضة للنفاد بسبب إفراط الاستغلال الذي حذر منه البنك الدولي.

اقرأ أيضًا 

“شرحبيل بن همام” انفلونسر من عصر آخر يلفت الانتباه لقضايا المياه والبيئة

شراقي: “تحت رمال الصحراء الغربية أحد أكبر الخزانات الجوفية في العالم”

كما أن المشاريع الزراعية في شرق العوينات أيضًا معتمدة على هذا المصدر، حوالي 270 ألف فدان معتمدين في الري على المياه الجوفية غير المتجددة. ومن هنا تأتي الأزمة فتلك المياه التي يتم استخراجها من أعماق تصل إلى 200 متر في العوينات و1000 متر في أماكن أخرى لن تعوض. 

في حواره مع الميزان أوضح د. عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا وخبير الموارد المائية أن “أحد أكبر الخزانات الجوفية في العالم يقبع تحت رمال الصحراء الغربية”. ثروة قومية ضخمة تتشارك فيها مصر مع السودان، وتشاد، وليبيا؛ قد تحسدنا عليها دول أوروبا التي تعاني أزمات جفاف شديدة.  

يتعرض هذا الخزان المعروف باسم “الخزان النوبي”، والذي لا تقل سعته عن 150 مليار متر مكعب، لسوء استخدام قد يهدد استمراره. فبينما تعتمد عليه مناطق شمال ليبيا من خلال مشروع النهر الصناعي العظيم، تستخدمه مصر في ري مشروع المليون فدان بالعوينات؛ مما يعرضه لخطر الاستنزاف.  

كما أوضح أن وجود هذه الكمية من المياه لا يعني إمكانية استخدامها بدون حساب، خاصةً وأن سكان تلك المناطق يعيشون عليها منذ آلاف السنين. والاستخدام الجائر قد يعرضها لخطر التمليح وإفساد المخزون بأسره. لذا يجب أن تراعي المقاييس العلمية لدى حفر الآبار، من حيث الكمية المستخرجة وساعات العمل والمسافة بين كل بئر والآخر. 

لن يحل مشاكل مصر وبحاجة للاستغلال الرشيد برؤية استثمارية

ودعى شراقي إلى استخدام هذا المورد المائي بحرص شديد؛ لأنه ملك للأجيال القادمة وسكان تلك المناطق. كما أنه غير قادر على حل أزمة مصر مع المياه، بعكس ما تردد عن قدرته على تلبية احتياجات مصر لمئة عام قادم. وأشار إلى إمكانية الاعتماد على المياه الجوفية في المشروعات الزراعية، لكن في نطاق مساحة لا تتعدى نصف مليون فدان. كما يجب أن تكون تلك الزراعة خفيفة ونفيسة؛ حتى لا تستنزف المياه في محاصيل مثل القمح والذرة وتضيع قيمتها دون مقابل. 

وأكد أن الزراعة في الأساس تتنافى مع طبيعة البيئات الصحراوية، لكن لو أردنا الاستثمار بالزراعة في تلك المناطق معتمدين على المياه الجوفية؛ فالأفضل التركيز على المحاصيل الطبية والزيتية غالية الثمن أو استخدامها في الصناعة، واستيراد حاجتنا من المحاصيل الرخيصة. 

إقرأ أيضا

المعدن الذي لا يقدر على تصنيعه غير البرق

كما نبه شراقي إلى حقيقة وجود مشاكل تتعلق بالمياه الجوفية نتيجة للاستغلال المفرط؛ وهي مشكلة مستمرة مع استهلاك 4 مليار متر مكعب سنويًا في النهر الصناعي الليبي، وحفر مصر لأكثر من 5000 بئر جديد في السنوات القليلة الماضية. الأمر الذي يشير إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتي بالزراعة المعتمدة على الخزان النوبي  غير منطقي، في حين يمكن استثماره لتوفير عملة صعبة. 

المياه الجوفية في مصر بالفعل ثروة مستمرة منذ آلاف الأعوام، لكنها بحاجة لنظرة استثمارية تجعل لكل قطرة قيمتها. ومع زيادة الاستهلاك ترتفع مخاطر نضوب تلك الثروة، في وقت ينظر فيه العالم للمياه الجوفية على أنها ثروات مخفية قد تغير اقتصاد المناطق التي تتمتع بها وتعزز نموها.