رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
94   مشاهدة  

محمد الرشيدي للميزان : ترجمة نص أدبي يتناصّ مع كتاب مقدس مغامرة محفوفة بالمخاطر

محمد الرشيدي
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



في العام 1916 عزف فيديريكو غارثيا لوركا  عن دراسة الموسيقى، وقرّر أن يلج دُنيا الأدب بحثًا عن ذاته الضائعة، فالْتَهَم كتب من سبقوه ليعرف كيف بإمكانه أن يتجاوزهم وأن يترك بصمة خاصة في تاريخ الأدب المكتوب باللغة الإسبانية. لم يكن الأدب يعني لفتى في الثامنة عشر من عمره أكثر من طريقة ليسبر غوره ومنظارًا يرى من خلاله العالم مختلفًا عما يراه الآخرون. ورغم شهرة لوركا شاعرًا إلا أن نثره لا يقل أهمية أو جمالًا عن شِعْره.

وعن” لوركا ” يقول ” محمد الرشيدي ـ مترجم نثريات لوركا عن الأسبانية ـ  ”  كان “لوركا” ينوي نشر هذه الكتابات، لكنه على ما يبدو قد تراجع في اللحظة الأخيرة، أو أن العُمر لم يمهله كثيرًا ليفعل ذلك، إذ يقول في إحدى خطاباته المحفوظة في مؤسسة “فيديريكو غارثيا”  لوركا إلى أحد أصدقائه المقرّبين: “أما فيمَا يخص ما أفعله الآن، فجُلّ ما أستطيع قوله إنني أعمل بغزارة: أكتب الشِّعر وأعزف الكثير من الموسيقى. لدي ثلاثة كتب جاهزة للطبع (منهم ديوانان) وأتمنى أن أنتج المزيد” .

أما عن الترجمة يقول ” الرشيدي” للميزان: التعرُّض لواحد ممّن غيروا خارطة الشعر العالمي في القرن العشرين مهمة شاقّة، وترجمة نص أدبي يتناصّ مع كتاب مقدس مغامرة محفوفة بالمخاطر، لذا أتى قرار ترجمة هذه النصوص بعد وقت طويل من التفكير واستشارة عدد من الأصدقاء الشعراء والأستاذة الأجلّاء الذين أشاروا علىّ بالمضي قدمًا في ترجمة هذا العمل، وبيّنوا لي ضرورته وحاجة المكتبة العربية إلى إكمال الصورة الناقصة عن شاعر مهم مثل لوركا، وأعني بذلك بواكيره النثرية.

وأضاف : وحقيقة الأمر أنني عثرت على هذه النصوص بمحض الصدفة، حينما كنت أُعِدُّ مقالًا عن الشاعر في شهر سبتمبر من عام 2019، وذُهلت عند رؤيتها، وكأنني تعثّرت في كنزٍ وأنا أغوص في أعماق البحار لأشاهد الشعاب المرجانية لا أكثر.

واستكمل اعترتني حينها رغبة قوية في ترجمتها إلى العربية، لكن سرعان ما فترت تلك الرغبة عندما اصطدمت بالواقع وقلت في نفسي: كيف ولماذا تترجم للوركا وقد قُتِل ترجمة وبحثًا؟ هل تستطيع أن تقدم على هذا العمل وتنجزه؟ ما الجديد الذي يمكنك أن تضيفه؟ جاوبتني أُمّي -حفظها الله- على السؤالين الأول والثاني قائلة:” .. لكنَّك شاعر” وجاوبني أصدقائي على السؤال الثالث: ” قُتِل شِعْرُ لوركا ترجمةً، لا نثره” ، وعندئذٍ وجدتُ ضالتي.

وأردف : صحيح أن نشر الكتاب ربما جاء متأخرًا بعض الشيء، فنحن نتحدث تقريبًا عن أربع سنوات، ولكن ذلك يرجع إلى سببين رئيسيين، وهما: أولًا أنني كنت منشغل بمشاريع أخرى ولم يكن لدي الوقت الكافي للتركيز بشكل كامل على هذا العمل، وهو الشيء الذي لم أكن أريده؛ وثانيًا لأنني لم أكن مستقرًا بشكل كبير إلى الصورة التي يمكن أن يخرج بها الكتاب إلى النور، ويجدر بي أن أعترف أنه لولا جهود وتحفيز صديقي الشاعر ” حسن العتماني ” طوال تلك الفترة لما وُجد الكتاب في معرض القاهرة الدولي 2024.

كان نائمًا حينما قامت الثورة 
من جانب آخر، لم نجد أفضل من الشاعر عماد أبو صالح مطلعًا على ومستوعبًا لتجربة لوركا الأدبية كاملة، لنعرض عليه الترجمة ظنًا منا أنه سيكون الشخص الأنسب لنعرف رأيه بكل وضوح وصراحة. ولحسن الحظ أنه أبدى إعجابه بالنصوص وبالترجمة وباللغة بعد الاطلاع على الكتاب، وبالغ في الكرم عندما أرسل إليَّ بعض الملاحظات التي ساهمت في خروج الكتاب بشكل أفضل، بل وأهداه أيضًا قصيدة “لوركا” من ديوانه “كان نائمًا حين قامت الثورة” التي تُزيّن الغلاف الخلفي. وإنني أنتهز هذه الفرصة لأوجه له كل الشكر والتقدير والعرفان على ترحيبه الجميل وأسلوبه الراقي وتواضعه الجمّ.

محتويات كتاب بواكير لوركا النثرية 
يقول”  محمد الرشيدي”  : يتصدر الكتاب مقدمة عن الترجمة للشاعر الإسباني “مانويل لوبيث أَثُورين”  الحاصل على العديد من الجوائز مثل جائزة زنوبيا (1993)، وجائزة خواكين بينيتو دي لوكاس (2000)، وجائزة رافائيل موراليس الدولية (2000)، وقد رأينا أن تكون باللغة الأصلية التي كُتبت بها النصوص لتعبّر عما تمثله تلك المرحلة من حياة لوركا في مسيرته الأدبية إجمالًا، وذلك من خلال رؤية أحد الشعراء المنتمين إلى نفس الثقافة، وسعينا إلى أن تكون هناك مقدمة ثانية تطرح وجهة النظر العربية في تلك النصوص، وتضعها موضعها ضمن الإطار العام لتجربة أحد أيقونات الشعر العالمي، ولكن حالت الظروف دون ذلك.

و استكمل لم تخلُ ترجمة النصوص من بعض الصعاب، مثل التناصّ مع الكتاب المقدس، الذي أرهقني بحثًا وسهرًا ومقارنةً بغرض القبض على اللفظ الأدقّ والأنسب إلى ما يُراد التعبير عنه. كنت قد اطّلعت على آيات قليلة من الكتاب المقدس سابقًا، بالإضافة إلى قراءاتي في الشعر والأدب بشكل عام التي تصادمتُ فيها مع اللجوء إلى الرمزية أو توظيف عناصر الكتاب المقدس في العمل الفني، كما فعل شعراء كثر مثل: بدر شاكر السيّاب، محمود درويش، أمل دنقل وغيرهم. لكن قشور النص ليست كجوهره، لذا كان لزامًا عليّ أن أقرأ قدر ما استطعت من الآيات في أسفار وأناجيل مختلفة حتى أترجم -أحيانًا كثيرة- جملة واحدة.

وأردف : وبما أن تلك النصوص كانت في الأصل مخطوطاتٍ، فقد شابها بعض الغموض في منطقتين أو ثلاثة على الأرجح. ولما كان هناك بعض الكلمات الممحوّة في الأصل، فقد نُشرت النصوص بما فيها من مَحْو أدّى إلى تركيب لغوي غير مفهوم. وبِنَاء عليه، فقد التزمت -كما جاء في الأصل- بالتنويه عن تلك المناطق التي قد تبدو مُلتبِسة أو غامضة.

وكشف ” محمد  الرشيدي ” أن القارئ كم يتوقف  أمام كلمة “بواكير” لأي كاتب! كم يتوق إلى الكشف عن كيف بدأ ذلك الكاتب حياته! لمن قرأ؟ بمن تأثّر؟ ما هي الصدمات التي تعرّض إليها؟ هل كان هناك ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه فَعَمد إلى إظهاره في كتابته؟ هل ذاق الفقر أو الحرمان قبل أن يغرق في شهد ومجد الشُّهرة؟ وأسئلة كثيرة على هذه الشاكلة لا تخلو منها نفس أي منّا. ولهذا فقد كان هناك هدفان رئيسيان من هذه الترجمة، وهما: تقديم البواكير اللوركيانية إلى القارئ العربي، ليرى كيف كان يفكّر لوركا وإلامَ آلَ في حياته وأدبه؛ والمحافظة قدر الإمكان على المستوى اللغوي الذي استخدمه لوركا، إذ كتب هذه النصوص وهو في الثامنة عشر من عمره ولجأ إلى استخدام التناص مع الكتاب المقدّس، مما استوجب فحصًا وبحثًا ومراجعة بشكل دقيق وحذر للغاية.

وأخيرًا أتمنى أن أكون قد وُفّقت في اختيار هذا العمل الذي يتيح لنا معرفة كيف دخل لوركا إلى عالم الأدب شابًا، ويساعدنا بطريقة أو بأخرى على استيعاب أفضل لتجربته الأدبية، وتصوُّر العالم من خلال عيني ذلك الفتى الإسباني.

من الكتاب مقاطع:
– ” إرادتي ميتة ولهذا أنا منبوذٌ عند منحدر الحُبّ الوَعِر. لن أحبّ إلا المستحيل أكثرَ، لأن لمسه سيكون نورًا وتصوُّفًا”.

– ” غريق الحب المؤلم أنا ولا أريد أن أموتَ إلا بين بحيرات القَرَنْفُل. مليءٌ بالذكريات المريرة أنا ولذا فالمستقبل هو وهمي الكبير. لا يمكن للنظامِ أن يبني عُشّه في روحٍ كروحي القَلِقَة المحزونة من الحُب. لم ينقذني العملُ يومًا لأنني أعيش على الأحلام. وحدها الموسيقى هي التي تشُدّ من أزري، ولن ينقذني سوى القُبلة المستحيلة. أُحِسُّ داخلي بفراغ كبير قد لا يُملأ أبدًا، فقد هربت مِنْ عينيّ مَنْ جعلتهما تلمعان” .

– ” يسوع، يسوع! إلى أين أنت ذاهب يا يسوع؟ عَطِّرني بأنفاس حُبّك. انظر إليّ بعينيك اللانهائيتين يا يسوع. اغمرني برحمتك وقلبك” .

– ” على صليبِكَ ارتكبوا أفظع الجرائم وجعلوا من دينك تفاهات وأكاذيب. وُكَلاؤك في الأرض الذين يعبدهم الناس يَغْمُرهم الزمرد والزبرجد أكثر منك، في حين أن هناك أطفالًا يموتون جوعًا ورجالًا عُراة متعطّشين إلى العدالة. يحقّرون من شأنك ومن شأن حواريّيك لأنكم كنتم تحتقرون المال والطمّاعين. لا خلاصَ اليوم إلا للأثرياء”.

إقرأ أيضا
رواية السلطان

– “في ظل الجدران الذهبية العتيقة بالمدن القديمة تجد النفسُ راحة وطمأنينة يحيطهما شيءٌ من القلق الغامض الحالم. تحت مظلّة وحُنُوّ الشمس في شوارعها الضيّقة المخيفة نمشي حالمين بكل شيء وَبِلَا شيء، وأحيانًا لا تكونُ الدنيا إلا روحًا عفيفة بيضاء. ثم نتذكر ما يميت القلب وتُطلّ عيوننا على نور الشَّفَق الخافت، فَنَرى كل قصور الأشراف المُملّة ورديّة اللون وزُجاجيّة، عندئذٍ تصير روحُنا روحًا أخرى وجسدُنا حجرًا أسود قبّلته الشمس”.

– “ووسط كل ذلك تظل أوقات الشفق هي اللحظات الأكثر حزنًا والأعنف رومانسية. الصمتُ فيها صمتٌ مميتٌ فريد من نوعه حتى أنه يُسمع وهو يموت في وضح النهار. سيجد الحالمون والعاطفيون والكئيبون في حِضْنه حزنًا عذبًا، وستحبهم المدُنُ العتيقة وتثير مشاعرهم روائحها وألوانها”.

من هو محمد الرشيدي 

محمد الرشيدي شاعر ومترجم مصري. حصل على ليسانس الألسن من قسم اللغة الإسبانية وآدابها بجامعة كفر الشيخ عام 2020، وعلى درجة الماجستير الأوروبي- المصري المشترك في اللغة والثقافة الإسبانية، المنظم بالتعاون بين جامعة سلامنكا (إسبانيا) وعدة جامعات مصرية، في تخصص “دراسات الترجمة” عام 2022.

نُشرت له بعض الأعمال في منصات عربية مختلفة مثل: جريدة أخبار الأدب المصرية، وجريدة النهار اللبنانية، ومجلة الفيصل السعودية ومجلة أنهار الكويتية، بالإضافة إلى أرشيف في موقع “القصيدة دوت كوم” يضم ترجماته لمجموعة من الشعراء المعاصرين.

اقرأ أيضًا: أبعاد جدية لعساكر لعبة .. ديوان جديد ضمن ثلاثية الحرب والسلام لمحمد فرغلي 

الكاتب

  • محمد الرشيدي مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان